شب أرسل إلى ديوان الإنشاء في القاهرة لتخرج فيه، فحضرر إلى مصر في عهد الحافظ1 "524-544هـ"، وتتلمذ على أشهر الكتاب، وكان الموفق ابن الخلال حينئذ رئيس ديوان الإنشاء، وكان معه ابن قادوس الأديب المشهور، فلزمهما، ويقول الرواة: إنه لم مثل بين يدي الموفق سأله: ماذا أعددت لفن الكتابة؟ فأجابه: إني أحفظ القرآن الكريم وديوان الحماسة، فأمره أن يحل شعر الحماسة كله 2، ثم ما زال به يدربه على الكتابة حتى نبغ فيها، ولكنه لم يستمر مع الموفق، بل ذهب إلى قاضي الإسكندرية المسمى بابن حديد، فكتب عنه كتبًا حبرها تحبيرًا ممتازًا، ويقال إن الوزير: العادل ابن رزيك "556-558هـ" اطلع على بعضها: فأعجب بها، وطلبه ليسلكه في كتاب ديوانه، فعاد إلى القاهرة، ومكث في ديوان الإنشاء حتى وفد أسد الدين شيركوه، فقربه منه واتخذه كاتبه، ولما توفي استخدمه صلاح الدين. ويظهر أنه أخلص لهذه الأسرة منذ قدومها، فإننا نجد صلاح الدين يتخذه وزيره، ومشيره كما يتخذه كاتبه، وروي عنه أنه قال: "والله ما ملكت البلاد بسيوفكم ولا برماحكم، ولكن بقلم القاضي الفاضل"، ويقول ابن فضل الله العمري: "كان القاضي الفاضل هو الدولة الصلاحية كان كاتبها ووزيرها، وصاحبها ومشيرها، والحاكم في كلها، والمجهز لبعوثها، ومع هذا كله كان لا يزال منكدًا مبتلى بضنا قلبه وجسمه، ومرض همه وسقمه ...

ولهذا كان لا يتكلف مع السلطان سفرًا في كل مرة، وكان العماد ينوب عنه"3، وذكر القاضي نفسه علته في أحد خطاباته فقال: "والمملوك في حال تسطير هذه الخدمة جامع بين مرضى قلب وجسد، ووجع أطراف وعليل كبد"4، وكنا كان القاضي عليلا كان -على ما يظهر- تزور عنه العين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015