الفتاوى اللغوية من ذكر بعض الاشتقاقات والأبنية الغريبة، ولعل ذلك ما جعل ابن خلكان يقول: إنها "اشتملت على كثير من كلام العرب من لغاتها"1، وشكا الشريشي شارحها في مقدمته من هذا الجانب فيها وصعوبته، وما من ريب في أن ذلك يدلنا على أن الحريري كان يبحث عن وسائل جديدة، يوشى بها عمله، ولكنه حين اتجه هذا الاتجاه ضل سبيله، فوقع في هذه الطرق الغريبة من التصنع لشوارد اللغة، أو شوارد الأمثال، أو مسائل النحو، أو مسائل الفقه أو غرائب الكنايات، كأن اللغة العربية قد أجدبت، ولم تعد تستطيع أن تقدم من زخارف التعبير سو هذه الطرق الملتوية المعقدة، التي لا تتصل بالفن ولا بأي زخرف من زخارفه، إلا إذا جلعنا التعقيد من حيث هو زخرفًا وفنا يقصد لذاته.
ويشير الحريري -في مقدمة مقاماته- إلى رسائل مبتكرة وخطب محبرة، وإذا ذهبنا نبحث عن هذه الرسائل، والخطب لنرى ما فيه من طرافة يدل بها الحريري، وجدنا هذه الطرافة تستقر في صور معقدة بل قل: في صور ملتوية، إذ مضى يؤلف رسالة على هذا النمط2:
"أخلاق سيدنا تحب، وبعقوته يلب3، وقر به تحف، ونأيه تلف، وخلته نسب، وقطيعته نصب، وغربه ذلق4، وشهبه تأتلق، وظلفه5 زان، وقويم نهجه بان، وذهنه قلب وجرب، ونعته شرق وغرب ... معاظم شرفه تأتلف، وشؤبوب حبائه يكف6، ونائل يديه فاض، وشح قلبه غاض، وخلف7 سخائه، يحتلب، وذهب عيابه يحترب8، من لف لفه فلج وغلب، وتاجر بابه جلب وخلب".
والرسالة تمضي على هذا النحو الذي نرى فيه كل كلمة تتألف من حروف