الذي قال فيه الرسول عليه السلام: "رب خطيب من عبس" 1، والعشراء ابن جابر، وخويلد بن عمرو خطيب يوم الفجار2، وقيس بن خارجة بن سنان، ويقال: إنه خطب في حرب داحس والغبراء يوما إلى الليل3، وكل هؤلاء من غطفان. ومن الخطباء حنظلة بن ضرار خطيب بني ضبة، وقد طال عمره حتى أدرك يوم الجمل4. ولم تشتهر قبيلة بالخطابة كما اشتهرت إياد وتميم، ومن إياد قس بن ساعدة الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "رأيته بسوق عكاظ على جبل أحمر، وهو يخطب في الناس" 5. ومن خطباء تميم المفوهين ضمرة بن ضمرة6، وأكثم بن صيفي7 وقيس بن عاصم8، وعطارد بن حاجب بن زرارة خطب وفد تميم بين يدي الرسول، وعمرو بن الأهتم المنقري، ولم يكن في بادية العرب في زمانه أخطب منه9. وما من ريب في أن هذه الكثرة من الخطباء -ووراءهم كثير لم نذكرهم- تدل دلالة بينه على ما كنت عليه الخطابة من رقي وازدهار.
وكان للخطباء حينئذ سنن خاصة في أداء خطابتهم، منها أنهم كانوا يخطبون على رواحلهم في المواسم العظام، والمجامع الكبار10, وكان من عادتهم لوث العمائم على رءوسهم، والإشارة في أثناء خطابتهم بالعصي والمخاطر والقنا والقضبان والقسي11. وفي ذلك يقول لبيد12:
ما إن أهاب إذا السرادق غمه ... قرع القسي وأرعش الرعديد
وقد حملت الشعوبية حملة شعواء على العرب لاتخاذهم في خطابتهم