ورقبته جثمات الملو ... ك بين السرادق والحاجب1

ويكفي المقالة أهل الدحا ... ل غير معيب ولا عائب2

ورقبته: انتظاره إذن الملوك، وقد تجعله بين السرادق، والحاجب ليدل على مكانة من الملك.

ودلائل مختلفة تدل على أن منزلة الخطيب في الجاهلية كانت فوق منزلة الشاعر، ويقول أبو عمرو بن العلاء: "كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم، ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم، ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم، فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة، ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر"3، وتابعه الجاحظ يقول: "كان الشاعر أرفع قدرا من الخطيب، وهم إليه أحوج لرده مآثرهم عليهم، وتذكيرهم بأيامهم.

فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب أعظم قدرا من الشاعر"4.

وواضح أن الجاحظ يجعل كثرة الشعر والشعراء وحدها هي السبب في تقدم الخطباء، أما أبو عمرو فيرد ذلك إلى أن هذه الكثرة استتبعت تحول الشعراء إلى التكسب بشعرهم، ومسارعتهم إلى الطعن في الأعراض، ونظن ظنا أن تفوق الخطيب على الشاعر في الجاهلية يرجع إلى طائفة متشابكة من الأسباب منها أن الخطابة كانت من لوازم سادتهم الذين يتكلمون باسمهم في المواسم والمحافل العظام، ومن أجل ذلك كانت تقترن بها الحكمة والشوق والرياسة5، كما تقترن بها الشجاعة، ويتضح ذلك في مراثيهم، ومدائحهم لسادتهم على نحو ما تقدم في رثاء أوس بن حجر لفضالة بن كلدة، ويقول الأعشى في مديح قوم6:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015