الملك، ويضطرب بها حبل الدولة، ويحتاج من أجلها إلى غرم ثقيل، وكلفة صعبة وتجشم أمور، وركوب أهوال لما كان يخف عليه أن يفرج عنها ويخليها، بل يأتي بها ويستعملها، ولا يعبأ بجميع ما وصفت من عاقبتها1"، وكانوا يزعمون أن سجعة اضطرته إلى عزل قاضي مدينة قم: فإن قال يوما: أيها القاضي بقم، ثم حاول أن يكمل السجع فأعنته ذلك فقال: قد عزلناك، فقم. ويبدو أن إغرامه بالسجع على هذا النحو كان قديما فيه، فقد روى الرواة عن ابن العميد أنه قال: "خرج ابن عباد عن عندنا من الري متوجهًا إلى أصفهان وطريقة رامين، فجازوها إلى قرية غامرة، وماء ملح لا لشيء إلا ليكتب إلينا: كتابي هذا من النوبهار، يوم السبت في نصف النهار"2.

ولعل أول ما يلاحظ في سجع الصاحب، أنه يمتاز بالخفة والعذوبة فهو في لفظة أكثر صفاء، وأكثر تنغيما من معاصريه من كتاب الدواوين، واستمع إلى هذه الرسالة القصيرة، التي كتب بها إلى أحد القضاة، وقد وفد عليه في الري3:

"تحدثت الركاب بسير "أروى" ... إلى بلد حططت به خيامي

فكدت أطير من شوق إليها ... بقادمة كقادمة الحمام

أفحق ما قيل من أمر القادم؟ أم ظن كأماني الحالم؟ لا والله! بل هو درك العيان، وإنه ونيل المنى سيان، فمرحبًا أيها القاضي براحلتك ورحلتك، بل أهلًا بك وبكافة أهلك، ويا سرعة ما فاح نسيم مسراك، ووجدنا ريح يوسف من رياك، فحث المطي تزل غلتي برؤياك، وتزح علتي بلقياك، ونص على يوم الوصول نجعله عيدًا مشرفًا، ونتخذه موسمًا ومعرفًا، ورد الغلام، أسرع من رجع الكلام فقد أمرته أن يطير على جناح نسر، وأن يترك الصبا في عقال وأسر:

سقى الله دارات مررت بأرضها ... فأدنتك نحوي يا زياد بن عامر

أصائل قرب أرتجي أن أنالها ... بلقياك قد زحزحن الهواجر"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015