والجوهر والعرض، ورأس الخط النقطة لا تنقسم1"، إلى غير ذلك مما كانوا يتشدقون به مما عرفوه من الفلسفة، والثقافات الأجنبية.

وهذا كله يدل على أن كتاب الدواوين كانوا يوسعون ثقافتهم ما استطاعوا، وغنوا خاصة بالثقافة الفلسفية، حتى يعمقوا أفكارهم، ويرتبوا معنيهم ترتيبًا دقيقًا، وهم كما عنوا بمعانيهم عنوا أيضًا بألفاظهم عناية قد تفوق عنايتهم بمعانيهم، حتى ليقول الجاحظ: "أما أنا فلم أر قط أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب، فإنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعرًا وحشيًا، ولا ساقطًا سوقيا"2.

ويقول أيضًا: إن الكتاب لا يقفون إلا على الألفاظ المتخيرة، والمعاني المنتخبة وعلى المخارج السهلة، والديباجة الكريمة وعلى الطبع المتمكن، وعلى السبك الجيد، وعلى كل كلام له ماء ورونق: وعلى المعاني التي إذا صارت في الصدور عمرتها، وأصلحتها من الفساد القديم، وفتحت للسان باب البلاغة، ودلت الأقلام على مدافن الألفاظ، وأشارت إلى حسان المعاني3.

وما من ريب في أن هذه شهادة قيمة من الجاحظ لطائفة الكتاب، وما كانوا يوفرون لألفاظهم من عناية، وإنها لعناية تستمر بهم، فإذا هم ينقلون حرفة الكتابة من أسلوبها القديم: أسلوب الصنعة إلى أسلوب جدي من التصنيع، وبعبارة أخرى من السجع البديع، وبدأت هذه العناية واضحة منذ عصر البرامكة، الذين روت كتب التاريخ عنهم ترفًا واسعًا، وكأن هذا الترف دفعهم هم والكتاب من حولهم إلى التأنق في حياتهم الاجتماعية، والتأنق أيضا في حياتهم الأدبية، وخير من يصور ذلك جعفر بين يحيى البرمكي صاحب الدواوين في عهد الرشيد، فقد أشاد السابقون ببلاغته، يقول الجهشياري: "كان جعفر بليغًا كاتبًا، وكان إذا وقع نسخت توقيعاته، وتدورست بلاغاته"4.

ويقول ابن خلدون عنه: "وإن الناس كانوا يتنافسون في الحصول على توقيعاته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015