أخمص1 البطن، معتدل القامة، تام العظم، وكان طويل الظهر، قصير عظم الفخذ، وهو مع قصر ساقه يدعي أنه طويل الباد2، رفيع العماد، عادي القامة، عظيم الهامة، قد أعطي البسيط في الجسم، والسعة في العلم، وكان كبير السن متقادم الميلاد، وهو يدعي أنه معتدل الشباب حديث الميلاد".

ونحن منذ هذه السطور الأولى للرسالة نحسن أننا بإزاء فن جديد في الهجاء يستعين فيه صاحبه بضروب من المفارقات، فأحمد بن عبد الوهاب مفرط القصر، ويدعي أنه مفرط الطول، وهو مربع وتحسبه لسعة جوف صدره واستفاضة خاصرته مدورًا، ثم هو جعد الأطراف قصير الأصابع، ومع ذلك يدعي السباطة والرشاقة، وأيضًا فإنه طويل الظهر قصير عظم الفخذ، ويدعي أنه طويل الباد رفيع العماد، عادي القامة عظيم الهامة، وفي هذا كله مناقضات ومفارقات مختلفة، ومن هذه المناقضات، والمفارقات يستمد الجاحظ هجاءه لأحمد بن عبد الوهاب، وقد استطاع أن ينفذ من ذلك إلى تشويهه تشويهًا ربما كان يتفوق فيه على أصحاب فن التصوير الساخر "الكاريكاتوري" في العصر الحديث، إذ نراهم يشوهون الأجسام بطرق مختلفة، عمادها بعض الحقائق المادية فيها، وإنهم ليتعلقون بهذه الحقائق: يكبرونها، ويستمدون منها ما يشاءون من هزل وسخرية، وكذلك كان الجاحظ في تلك الرسالة هجاء ساخرًا يعتمد على جسم أحمد بن عبد الوهاب، وما يسمه من قصر، وتبعج ليستخرج ما يريد من هزله، فهو تارة صاحب أصابع قصيرة جعدة كأصابع الحيوان، وتارة هو طويل الظهر "قصير عظم الفخذ، وهو لا يكتفي بتشويه جسمه، بل نراه يعمد أيضًا إلى تشويه عقله بواسطة ما يعرض من أسئلة يهزأ به فيها، كما يهزأ بتفكيره، وكل ما يتصل به، وهو يستعين على ذلك كله بفكرة الطول، والقصر والتربيع، والتدوير يستمد منهما كل ما يمكن من مفارقات ومناقضات، فتارة يدعي له الطويل في الباطن، وتارة ثانية يصفة بالقصر، وتارة ثالثة ينفيهما عنه، ويدعي له التربيع والتدوير، ساخرًا من جمسه وشكله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015