في يده من جميع الآداب إلا الانتحال لاسم الأدب1". وذكر أنه كان يخاشنه ويطاوله2، ومن أجل هذه المخاشنة والمطاولة، وما ركب فيه من الحسد ألف له هذه الرسالة يسأله فيها عن بعض معارف عصره المشكلة سواء في المنطق والفسلفة، أم في الكيمياء والصنعة، أم في الإنسان والحيوان، أم في تاريخ العرب وتاريخ غيرهم من الأمم، وهو ينهى هذه الأسئلة الكثيرة التي امتدت في خمسين صحيفة من القطع الكبير بقوله: "وقد سألتك، وإن كنت أعلم أنك لا تحسن من هذا قليلًا ولا كثيرًا، فإن أردت أن تعرف حق هذه المسائل وباطنها، وما فيها خرافة وما فيها محال، وما فيها صحيح وما فيها فاسد، فألزم نفسك قراءة كتبي ولزوم بابي3، وحقًا إن من يتصفح الرسالة يجد أن كثيرًا مما عرض له الجاحظ فيها ذكره في حويانه، ولعل في هذا ما يدل على أنها ألفت بعد كتاب الحيوان: أي في أوقات مرضه وعلته، ويشهد لذلك أننا نجده ينحي على أحمد بن عبد الوهاب باللائمة على ما يدعيه من علم بالحيوان، وأنه يعرف في الخفاش سبعين أعجوبة4، وأيضًا فقد تحدث فيها عن ابن الزيات الذي قدم له كتاب الحيوان بصيغة الماضي5، مما يدل على أن عهده كان قد انقضى حين كتابة هذه الرسالة، والمسألة لا تحتاج كل هذا الاستنتاج؛ لأن الرسالة مبنية على سنة الاستطراد التي عرفناها للجاحظ، والتي زعمنا أنها جاءت في الغالب نتيجة لعلته وعجزه عن ترتيب كتبه ورسائله التي ألفها حينئذ، وهو يستهلها على هذا النمط6:

"كان أحمد بن عبد الوهاب مفرط القصر، ويدعي أنه مفرد الطول، وكان مربعًا وتحسبه لسعة جفرته7 واستفاضة خاصرته مدورًا، وكان جعد الأطراف قصير الأصابع، وهو في ذلك يدعي السباطة والرشاقة، وأنه عتيق الوجه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015