وصياغة الأمم الحديثة، ولكن أن يهجو الشعراء أحاسيس أمتهم وطرقها في التعبير عن الفكر والشعور إلى أحاسيس وطرق جديدة فإن مثل هذه الحركة لا تؤدي إلى منهج واضح من التجديد. وأي تجديد؟ أليست تنبذ تقليد القديم إلى تقليد آخر سقيم؟ ولسنا نشك في أن التقليد في داخل القديم أكثر اتصالا بالأمة من هذا التقليد الجديد للأجنبي الخالص. وأكبر الظن أن ذلك ما جعل الشعراء المحافظين أكثر قبولا عند الناس والنقاد من هؤلاء الشعراء الذين نبذوا الصور القديمة للشعر العربي، وكأنما خيل إليهم أن التعبير الفني كالأزياء، فإذا كان من الممكن أن نخلع زينا، فكذلك يكون من الممكن أن نخلع الزي القديم في الفن إلى زي غربي حديث، لا نعتدُّ فيه بالأوزان القديمة، ولا بنظم القوافي، ولا بطريقة القوم في التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم، إنما نعتد بشيء واحد هو التقليد للشعر الغربي تقليدًا ننسى فيه شخصياتنا القديمة. ولسنا نرتاب في أن هذه الحركة كانت تطرفًا في التجديد، ولذلك لم تحدث الانقلاب المنشود.

ونحن لا ننكر أننا نجد أحيانًا عند بعض الشعراء المجددين قصائد بل دواوين رائعة استطاعوا أن يوازنوا فيها بين الصياغة العربية والأفكار والصور الغربية، ولكن ذلك قليل وفي الندرة. ولعل من الحق أن نذكر هنا أن الشعر العربي الحديث يغلي باتجاهات جديدة كثيرة فيه، إلا أنها لم تنظم حتى الآن تنظيمًا دقيقًا، ولا نزال نجد فيها التذبذب الذي يكون عادة رائدًا للثبوت والاستقرار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015