الشعر عندهم عقيدة ومذهبًا من المذاهب يدافعون عنه حياتهم، كم نرى عند أصحاب النزعة الرومانسية وكما نرى عند البرناسيين والرمزيين حيث نجد الشاعر يكتب ديوانه ليقرر هذه العقيدة الجديدة، وذلك المذهب الحديث، ولذلك كان يقدم له بنفسه؛ لأنه يقرر منهجًا خاصًّا هو الذي يرفع قواعده ويقيم بنيانه. أما عندنا وخاصة في أول هذا القرن فلا يزال الشعر غالبًا على حالته التقليدية القديمة، لم تغيَّر أصوله ولا رسومه؛ ومن أجل ذلك كان الديوان عند كثير من شعرائنا حينئذ كالديوان عند القدماء، إنما هو قصائد تجمع من ظروف ومناسبات مختلفة، فيتكون منها مجموعة من الشعر تسمى ديوانًا، وليس بين أشعارها وحدة معينة أو غاية مشتركة، إنما كل ما بينها من اتفاق أنها تشترك في وحدات وغايات موسيقية، وأنها شعر نظم على أوزان وقوافٍ، وليس بعد ذلك ما يدل على اتفاقها في غرض معين، ومن ثَمَّ كان من العسير أن يكتب شاعر من هؤلاء الشعراء مقدمة لديوانه؛ لأن المقدمة تعني المنهج المرسوم والمذهب الموضوع وهم لا مذهب لهم ولا منهج إنما يكتبون بوحي الساعة، أو وحي الأحداث والمناسبات المختلفة.

الشُّعَرَاءُ يحاولونَ التَّجْدِيدَ:

ونحن لا ننسى ما حاوله بعض الشعراء من التجديد، غير أن جمهورهم في الحق لم يستطيعوا أن ينهضوا بكل ما كنا نصبوا إليه؛ فقد أهملوا -في كثير من جوانب شعرهم- الصياغة الفنية للشعر العربي، وراحوا يستعيرون معارض تفكيرهم وشعورهم من الشعراء الغربيين، وخاصة شعراء النزعة الرومانسية، وبالغوا في ذلك حتى أصبحت نماذج كثيرة من أشعارهم، وكأنها ضروب من الترجمة للأساليب الغربية. ولعل من الغريب أن نفرًا منهم ذهبوا ينادون بهجر الأساليب العربية القديمة، ويقولون إنها أصبحت لا تلائمنا في العصر الحديث، ونسوا أن صياغة التفكير الفني لأمة من الأمم لا يمكن أن تهجر مرة واحدة إلى صياغة أمم أخرى. يمكن أن يزاوج الشعراء بين صياغة أمتهم القديمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015