وأحاط الأب ابنه برعاية شديدة؛ فأحضر له المؤدبين والمثقفين من أمثال ابن برّي العالم النحْوي اللُّغوي المشهور وأرسله إلى السلفي في الإسكندرية يستمع إلى دروسه في الحديث. ولم تلبث مواهبه الشعرية أن استيقظت فيه، فقربه القاضي الفاضل إليه، وعينه في الدواوين، وخصه بالكتابة بين يديه في مصر وحين كان يرحل مع صلاح الدين إلى الشام في حروبه مع الصليبيين، ولما تطورت الأمور حين توفي صلاح الدين واعتزل القاضي الفاضل الخدمة ظل ابن سناء الملك في عمله الديواني إلى أن توفي سنة 608.
ولم يكن ابن سناء الملك شاعرًا فحسب؛ بل كان أيضًا كاتبًا وناقدًا، وله كتاب يسمى "فصوص الفصول" لم يطبع، وهو يتضمن رسائل بينه وبين القاضي تدور في كثير من مسائل الأدب والشعر. وهو أول من اهتم من المصريين بصنع موشحات على غرار الموشحات الأندلسية، وقد وضع فيها كتابًا سماه "دار الطراز" تحدث فيه عن نظام الموشحات ومصطلحاتها1، اختار فيه للأندلسيين أربعة وثلاثين موشحًا وأضاف إليها خمسة وثلاثين من إنشائه.
وديوانه ضخم وقد طبع أخيرًا في الهند، وهو يكثر فيه من مديح القاضي الفاضل وصلاح الدين، وتسجيل انتصارات الأخير على الصليبيين، وإن كنا نلاحظ عنده ضعفًا في البناء وشتان بين سيفيات المتنبي في حروب سيف الدولة، وصلاحياته في حروب صلاح الدين، وهي ملاحظة تعم شعراء هذه العصور فإنه قلما نجد بينهم من يستطيع أن يصور تصويرًا رائعًا الأعمال الحربية التي كان يقوم بها صلاح الدين ومن جاءوا بعده مثل الظاهر بيبرس، ولعل ذلك ما دعا أصحاب الأدب الشعبي إلى كتابة سيرة عنترة والظاهر بيبرس وغيرهما؛ كأنهم لم يجدوا عند أصحاب الشعر الفصيح ما يثير الحمية في نفوس أبناء الشعب إلا قليلًا، فعمدوا إلى كتابة هذه السير والقصص.
وليس من العدل أن نقيس ابن سناء الملك بالمتنبي، فحسبه أنه كان مجليًا بين شعراء عصره، ونحن لا نقرأ فيه حتى نحس المبالغة الشديدة، وهي تتجلى