لي عندكم دينٌ ولكن هل له ... من طالبٍ وفؤادي المرهونُ
فكأنني ألِفٌ ولامٌ في الهوى ... وكأن موعد وصلكم تنوينُ
أو تورياته فلعل أطرفها ما رواه ابن حجة من قوله1:
في خدِّه فخٌ لعطفةِ صُدغِهِ ... والخالُ حَبَّتُه وقلبي الطائرُ
وقوله2:
بالله قل للنيل عني إنني ... لم أشفَ من ماءِ الفرات غليلا
وسل الفؤادَ فإنه لي شاهدٌ ... أن كان طرفي بالبكاء بخيلا
يا قلب كم خلَّفت ثمَّ بثينةً ... وأظن صبرك أن يكون جميلا
فقد ورَّى في الطائر وجميل. ومهما يكن فشعر القاضي الفاضل لا تبدو عليه خفة الروح التي رأيناها في الشعر الفاطمي، وربما كان ذلك يرجع إلى أنه ليس مصري النشأة؛ إذ كان من عسقلان؛ فهو لا يعبر عن الروح المصرية. على أننا قلما نجد عند غيره هذه الروح، وكأنما نضب معينها تحت لفح الحروب الصليبية، وأيًّا كان فشعر القاضي الفاضل واضح فيه التكلف والتصنع لألوان البديع ومصطلحات العلوم، وهو شعر في الجملة مصنوع، وقلما نجد فيه شعورًا أو جمالًا.
ابْنُ سَنَاءِ الْمُلْكِ:
لا نبالغ إذا قلنا إن هبة الله بن سناء الملك أكبر شاعر عرفته مصر في القرن السادس للهجرة3، ولد في القاهرة سنة 550 لأبٍ متشيع كان يعمل في دواوين الفاطميين، وكان صديقًا للقاضي الفاضل؛ فلما تحول زمام الأمور إلى صلاح الدين استبقاه القاضي الفاضل فيمن استبقاهم للخدمة في دواوينه.