للثعالبي1. والحق أن الحركة الأدبية في الأندلس صيغت صياغة على شكل الحركة الأدبية في المشرق، وقد نعجب من ذلك الآن، ولكن من يتعمق دراسة الأندلس يعرف سرعة الاتصال بينها وبين المشرق؛ فعلماؤها وأدباؤها يرحلون إليه كما يرحل إليها علماؤه وأدباؤه، ومن لم يذهب من المشرق إلى الأندلس أرسل إليه بآثاره، أو نقلها إليه هؤلاء الأندلسيون الذين يجوبون الأقطار الشرقية للبحث عن المنابع الهامة للأدب والثقافة، ولعل من الغريب أن يعرف القارئ أن كتابي "البيان والتَّبَيُّن" و"التربيع والتدوير" نقلًا في حياة الجاحظ إلى الأندلس2 وأرسل أبو الفرج الأصبهاني لعبد الرحمن الناصر نسخة من كتابه "الأغاني" كما نُقِل ديوان المتنبي في حياته إلى الأندلس نقله ابن الأشج الذي قابل المتنبي في الفسطاط عام 346 للهجرة، وبذلك استطاع ابن هانئ المعاصر له أن يتأثره تأثرًا واضحًا. ويذكر صاحب الذخيرة أن ابن شهيد كان يستعير معاني أبي العلاء في بعض أشعاره3 فإذا عرفنا أن ابن شهيد توفي عام 426 للهجرة؛ بينما توفي أبو العلاء عام 449 عرفنا إلى أي حد كانت سرعة الاتصال بين الأندلس والمشرق.

ومن يقرأ في الذخيرة ويتابع الأدباء والشعراء في تقليدهم لأدباء المشرق وشعرائه يخيل إليه أن القوم قد حبسوا أنفسهم داخل الإطار العام للأدب العربي، فهم يضعون المشرق نصب أعينهم يتخذون منه مُثُلَهُم الأدبية العُليا، وقد كتب ابن شهيد رسالة "التوابع والزوابِع" وذكر فيها أسماء شياطين الشعراء الذين أجازوه، وكلهم من شعراء المشرق الذين نعرفهم، أمثال أبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي4، وكان الأندلسيون حتى عصر ابن خلدون لا يزالون يقولون: "إن أصول علم الأدب وأركانه أربعة دواوين، وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015