ابن أبي عامر لقلوبهم أول نهوضه"1. والمنصور بن أبي عامر هو أهم وزير للأمويين في القرن الرابع؛ إذ توفي عام 392 للهجرة، ويقول ابن عذاري بصدده: "وكان المنصور أشد الناس في التغير على من عنده شيء من الفلسفة والجدل في الاعتقاد والتكلم في شيء من قضايا النجوم وأدلتها والاستخفاف بشيء من أمور الشريعة وأحرق ما كان في خزائن الحكم -الخليفة الأموي- من كتب الدهرية والفلاسفة بمحضر كبار العلماء"2
وليس من شك في أن ذلك كله كان سببًا في بطء الحياة العقلية وتأخر نموها في الأندلس، ونحن نعرف أن أول فيلسوف أندلسي هو ابن باجة المتوفى عام 533 للهجرة؛ فالأندلس لم تتعمق الفلسفة إلا في عصر متأخر، ولعلها من أجل ذلك اعتنقت مذهب مالك وفضلته على غيره من المذاهب؛ لأنه لم يكن معقدًا بفلسفة، ولاحظ ذلك ابن خلدون، وعلل له ببداوة أهل الأندلس وأنهم لم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق؛ فآثروا هذا المذهب لمناسبة البداوة بينهم وبين أهل الحجاز3. ويمكن أن نعلل بنفس العلة لعدم اتساع موجة التفكير الإباحي الماجن عندهم على نحو ما نعرف في المشرق، كما أنه لم يظهر عندهم شاعر متفلسف متشائم كأبي العلاء.
وإذا تركنا الحياة العقلية في الأندلس إلى الحياة الأدبية وجدنا ظاهرة التقليد للمشرق واضحة جلية؛ إذ تصاغ الكتب الأدبية عند الأندلسيين على شكل الكتب الأدبية عند المشارقة، يصاغ "العقد الفريد" على شكل "عيون الأخبار" ويراه الصاحب بن عبَّاد فيقول هذه بضاعتنا ردت إلينا، ويصاغ كتاب "الحدائق" لأبي فرج الجياني في أهل زمانه على شكل كتاب "الزهرة" للأصبهاني"4، ويصاغ كتاب "الذخيرة" لابن بسام على شكل كتاب "اليتيمة"