أنها تفسِّرها! وأكبر الظن أنه كان يعرف عجزها وأنها لا تستطيع ذلك؛ ولكنه يلجأ إليه ليحرز انتصارًا جديدًا في تعقيد الفن وتصعيبه.
وليست اصطلاحات العروض فقط هي التي يمكن أن تفسر مشاكل الحياة، بل تشركها اصطلاحات أخرى من النحو والصرف، وانظر كيف يفسر الصلة بين الأصول والفروع تفسيرًا صرفيًّا فيقول:
وفي الأصلِ غشٌّ والفروعُ توابعٌ ... وكيف وفاءُ النَّجل والأبُ غادرُ
إذا اعتلَّت الأفعالُ جاءت عليلةً ... كحالاتها أسماؤها والمصادرُ
فالأصول والفروعُ وما بينهما من وراثات، كل ذلك نستطيع أن نجد له تفسيرًا لا في الفلسفة، بل في الصرف؛ فالأفعال إذا كانت عليلة تبعتها مشتقاتها لا تستطيع حولًا عنها ولا خلاصًا منها، وعلى هذا النحو تتبع الفروع الأصول، إن كانت سليمة سلمت، وإن كانت معتلة اعتلت، أرأيت إلى الصرف كيف يمكن أن نستخرج منه تفسيرًا وتصويرًا لمشاكلنا؟ إنه أحد المفاتيح الصغيرة التي عثر عليها أبو العلاء وجاء يستخرج منها وصف أحوالنا، وليس الصرف فقط هو الذي نجد فيه هذه المفاتيح؛ بل إننا نجدها كما رأينا في العروض، ونجدها أيضًا في النحو، وانظر إليه؛ إذ يقول:
سِرٌّ سيعلنُ والحياةُ معارةٌ ... ولتقضينَّ بها ديونُ المعسِرِ
كخبيء نعم وبئس يخبأُ فيهما ... ويكونُ ذاك على اشتراطِ مفسِّرِ
أرأيت إلى حقائقنا؟ إننا لا نتشابه فيها فقط، بل إننا نتشابه فيها مع مسائل النحو والعروض والصرف، وليس من شك في أن هذا الصنيع لا يضيف طرافة للشعر إلا عند أصحاب هذه الفنون، وهل حقًّا يمكن أن تفسر هذه الفنون ومصطلحاتها مشاكلنا، إنها مملؤءة بكثير من المشاكل التي تحتاج هي الأخرى إلى ما يفسرها!
ومهما يكن فإن أبا العلاء غلا غلوًّا شديدًا حين جعل هذه المعارف لوازم في شعره وإن تكن لوازم عارضة تأتي من حين إلى حين. قد نفهم أن يبالغ