الألفاظ العويصة، ولكن أبا العلاء اتخذ هذه الألفاظ الغريبة لازمة دائمة في صناعة لزومياته ولم يستطع أن يتخلص منها، وقد أضاف إليها لازمة أخرى دائمة هي لازمة الجناس.

ولعل من الطريف أن أبا العلاء استطاع أن يستخدم هذا الجناس استخدامًا مزدوجًا فهو يأتي به غالبًا ليعبر عن جناس من جهة وليعبر عن لفظ غريب من جهة أخرى. كان أبو العلاء يستخدم الجناس استخدامًا لغويًّا يريد به أن يدلَّ على مهارته في اللغة قبل أن يدل على مهارته في استخدام لون قديم من ألوان التصنيع. ولم يكتفِ أبو العلاء بما أحدثه بين الجناس والألفاظ الغريبة من مزاوجة؛ بل راح يصعب على نفسه؛ إذ نراه يطلبه بين حَشْوِ البيت والقافية، حتى يحدث هذه القيم المعقدة في قوافيه؛ فهو يلتزم فيها حرفين أو أكثر، وهو يلتزم فيها اللفظ الغريب، وهو أخيرًا يلتزم الجناس بينها وبين ألفاظ البيت، أرأيت إلى هذا التعقيد؟ إنه تعقيد ينسينا تعقيد المتنبي لموسيقاه الداخلية الذي عرضنا له في غير هذا الموضع، بل هو ينسينا تعقيد المهلبي لملاعقه في طعامه؛ فالمهلبي إنما كان يكرر الوسيلة فقط، أما أبو العلاء فإنه يستطيع أن يعقدها تعقيدًا شديدًا على هذا النمط الذي نقرؤه في هذه الأبيات:

عَذيري مِنَ الدُّنيا عَرَتني بِظُلمِها ... فَتَمنَحَني قُوَّتي لِتَأخُذَ قُوَّتي

وَجَدتُ بِها ديني دَنِيًّا فَضَرَّني ... وَأَضلَلتُ مِنها في مُروتٍ مُروَّتي1

أخوتُ2 كما خاتتْ عقابٌ لو انني ... قدرتُ على أمرٍ فَعُدَّ أخوَّتي

وأصبحتُ في تِيهِ الحياةِ مناديًا ... بأرفعِ صوتي أين أطلبُ صوَّتي3

ومازال حوتي4 راصدي وهو آخذي ... فما لمتابي ليس يغسل حوَّتي

رآني ربُّ الناس فيها متابعًا ... هوايَ فويحي يوم أسكن هوَّتي

أبَوْتك5 يا إثمي ومن لي بأنني ... أتيتك فاشكرْ لا شكرتَ أبوَّتي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015