صارمة في مطعمه وملبسه، إذا كان يختار خشن الثياب والطعام، وقص ذلك في شعره فقال إن طعامه العدس والتين أو كما يسميهما البُلسَن والبلَس فهما يقنعانه، وهما غذاؤه في حياته، وهو غذاء يجد فيه راحته النفسية؛ لأنه غذاء زاهد متقشف يرفض لذائذ الحياة وما ينطوي فيها من لذائذ الطعام:
يقنعني بلسن يمارس لي ... فإن أتتني حلاوة فبلس
فَلُسَّ ما اخترت أن أروحَ من ... يسارِ قارونَ عفَّةٌ وفَلَس1
ويقول الرحالة ناصر خسرو -وقد مر بالمعرة في حياة أبي العلاء: إنه "تزهد فلبس بسيطًا ولزم بيته وقوتُهُ نصفُ مَنٍّ مِنْ خبز الشعير"2. ويقول القفطي: "لم يكن أبو العلاء من ذوي الأحوال في الدنيا؛ وإنما خلف له وقف يشاركه فيه غيره من قومه، وكانت له نفس تشرف عن تحمل المنن فمشى حاله على قدر الموجود، فاقتضى ذاك خشن الملبوس والمأكل والزهد في ملاذ الدنيا، وكان الذي يحصل له في السنة مقدار ثلاثين دينارًا، قدر منها لمن يخدمه النصف وأبقى النصف الآخر لمئونته؛ فكان أكله العدس-إذا أكل- مطبوخًا، وحلاوته التين، ولباسه خشن الثياب من القطن، وفرشه من لباد في الشتاء وحصيرة من البردي في الصيف، وترك ما سوى ذلك"3.
وكل هذا يدل على أن أبا العلاء كان يأخذ نفسه بحياة خشنة زاهدة، ولعل ذلك ما جعله ينفر من مديح الرؤساء طلبًا للجوائز والمكافآت. يقول في مقدمة سقط الزند: ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد ولا مدحت طلبًا للثواب؛ وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السُّوس، فالحمد لله الذي ستر بغُفَّة4 من قوام العيش، ورزق شعبة من القناعة أوفت على جزيل الوَفْر". فهو لا يمدح طلبًا للنوال، وماذا يفيده النوال؟ لقد رفض كل شيء وعاش عيشة الكفاف والزهد، وكان يصنع ذلك عن عمد وقصد إليه. روى الرواة أن