عند المتشيعة والمتصوفة، ولكنها لم تعم في الشعر العربي، وبذلك لم تحدث فيه حركة واسعة جديدة. على كل حال أخذ العرب يبتعدون عن التفكير الفلسفي رويدًا رويدًا حتى لنجد ابن الأثير في القرن السابع يهاجم فكرة التثقف بالثقافة اليونانية1 وكأنما أصبحت بدعًا غير مألوف.

ونحن نلاحظ مرة أخرى أن العرب كانوا يتثقفون أيضًا في هذه العصور بثقافة علمية واسعة؛ ولكن هذه الثقافة مثلها مثل الفلسفة لم يستطيعوا أن يستوعبوها، أو يحولوها إلى فن، أو يحولوا عقولهم إلى علم، بل ظلوا يستخدمونها في الشعر كما يستخدمون الفلسفة، يستخدمونها من الظاهر؛ إذ يتصنعون لاصطلاحاتها تصنعًا واسعا، حتى يلاحظ ذلك الناقد المعاصر في القرن الخامس؛ إذ نرى ابن سنان الخفاجي ينعي هذه الطريقة على معاصريه2. ولكنا لا نتقدم بعد ذلك حتى نجد ابن الأثير يدافع عنها؛ إذ يقول: "صناعة المنظوم والمنثور مستمدة من كل علم وكل صناعة؛ لأنها موضوعة على الغرض في كل معنى، وهذا لا ضابط يضبطه، ولا حاصر يحصره، فإذا أخذ مؤلف الشعر أو الكلام المنثور في صوغ معنى من المعاني، وأداه ذلك إلى استعمال معنى فقهي أو نحوي أو حسابي أو غير ذلك؛ فليس له أن يتركه ويحيد عنده؛ لأنهم من مقتضيات ذلك المعنى الذي قصده"3. ويقول الأرّجاني4:

أنا أفقهُ الشعراءِ غيرَ مدافعٍ ... في العصرِ، لا بل أشعرُ الفقهاءِ

وتصوِّر لنا اليتيمة الشعراء مفتونين باصطلاحات العلوم ومسائلها يقتبسونها في أشعارهم، وأحدث ذلك فيضانًا من المصطلحات العلمية غمر الشعر العربي لهذه العصور، وسنعرض لذلك في الفصل الرابع من هذا الكتاب؛ ولكنا نلاحظ منذ الآن أن الشعراء أسرفوا على أنفسهم في جلب هذه المصطلحات التي لم تفد الشعر جمالًا ولا تفكيرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015