لا تنكري منه تخديدًا تجلَّله ... فالسيفُ لا يُزدرى أن كان ذا شطبِ1

وعلى هذا النمط يستمر أبو تمام يستخرج من الفلسفة والثقافة زخرفًا جديدًا يضيفه إلى الزخرف القديم، وإن الإنسان ليخيل إليه كأنما رسخت الثقافة والفلسفة في ذهنه وتحولتا هناك إلى ما يشبه صندوق الألوان عند الرسامين. وقد أخذ يحكم استخدام تلك الألوان في شعره، كما أخذ يحكم استخدامه لألوان التصنيع القديمة: تارة بما يستخرجه من أصباغها على نحو ما رأينا عنده في لون التصوير وأصباغه من تدبيج وتجسيم وتشخيص، وتارة بإضافته اللون إلى لون آخر على نحو ما رأينا عنده في الطباق والجناس حين كانا يمران في وعاء التصوير. وأخيرًا هو يبتكر ألوانًا جديدة يستنبطها من الثقافة والفلسفة ثم يمزج بينها وبين ألوان التصنيع القديمة، فتتغير شياتها وهيئاتها على نحو ما رأينا في حواشي الطباق حين طرزها بنوافر الأضداد. وحقًا إن أبا تمام كان أستاذًا ماهرًا في فن مزج الألوان ومعرفة خباياها وأسرارها؛ إذ نراه يغمس البيت في لون كالجناس، ثم يعود فيغمسه في لون آخر كالتصوير، ثم يعود مرة ثالثة فيغمسه في طباق أو مشاكلة، ولا يكتفي بذلك، بل نراه يعود فيغمسه في لون قاتم بل في لون زاهٍ من الفلسفة والثقافة فإذا البيت يختال في ألوان وأصباغ ثرية منوعة اختيال الطاوس في ألوانه وأصباغه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015