فرغب خالد أن يكونه خروجه إلى مكة، ثم شفع فيه ابن أبي دؤاد فاستقر على حاله. وهنا استغلَّ أبو تمام الموقف فجاء يقرئ السلام أهل مكة من خالد المعروف بفعل الجميل وشجاعة الحروب. ثم استمر يجانس بين يذود وذائد، وبطحاء وتبطحت، ومِنًى ومُنًى، وحرا وحراء، وتعرَّفت وعرفات، وكداء وإكداء. وطيبة وطابت، والحرمان ويحرم. وليس من شك في أن هذه مهارة فائقة من أبي تمام حين استغل تلك الأماكن في جناسه، وقد أكثر منه كثرة مفرطة؛ ولكن ليس هذا كل ما يلفتنا في جناس أبي تمام بالقياس إلى مسلم أستاذه؛ إنما يلفتنا ما فيه من "تصوير" يلتفُّ على هذا الجناس ويحتضنه، فيعطيه شيات أخرى، كأنها ليست هي التي نعرفها له، واقرأ له هذه الأبيات في مطلع إحدى قصائده لابن الزيات.

متى أنت عن ذُهلية الحي ذاهلُ ... وقلبُك منه مدَّة الدهر آهلُ1

تطلُّ الطلولُ الدمعَ في كل موقفٍ ... وتمثلُ بالصبر الديار المواثل2

دوارسُ لم يجفُ الربيع ربوعها ... ولا مرَّ في أغفالها وهو غافل3

فقد سحبت فيه السحائب ذيلها ... وقد أخملت بالنور منها الخمائلُ4

تعفين من زاد العُفاةِ إذا انتحى ... على الحي صرفُ الأزمة المتحامل5

لهم سلفٌ سُمْرُ العوالي وسامرٌ ... وفيهم جمالٌ لا يغيضُ وجاملُ6

طور بواسطة نورين ميديا © 2015