وهذا النمط المعين في صنع المطوَّلات القديمة يدل دلالة قاطعة على أن صناعة الشعر استوى لها حينذاك غير قليل من القيود والتقاليد؛ إذ نرى القصائد تتحد أنغامها، وكان عنترة يشكو من هذا الاتحاد، كما تتحد أساليبها ولغتها وتراكيبها، وكما تتحد معانيها وصورها وأخيلتها، وكان زهير يشكو أيضًا من ذلك؛ فما يقوله ابن خذام في بكاء الأطلال يأخذه عنه امرؤ القيس، وما يقوله امرؤ القيس يأخذه عنه بقية الشعراء، وإن جَدّ معنى في الطريق كوصف الأطلال عند طرفة1 بالوشم أخذه زهير2 وغير زهير.
وهم كذلك في وصف الناقة يتداولون أوصافها، وإن حدث معنى في الطيق كوصف زهير ناقته بأنها نعامة أو حمار وحشي، تناوله بيد، ونسج على منواله النابغة وغير النابغة. وقد تتبع النقاد العباسيون هذ الجانب من صناعة الشعر العربي القديم، وهو جانب طريف يكشف لنا عن حقيقة الشعر الجاهلي وحقيقة صناعته، وأنها لم تكن مستودعًا للتجارب الفردية؛ بل كانت مقيدة بمصطلحات كثيرة لا في اللغة والنحو والعروض فقط، بل في الموضوع والمواد التي تكونه، وما يختاره الشاعر في صنع نماذجه من أدوات تصويرية أو أسلوبية أو معنوية.