والتصويرية" وكان يلقى عناءً شديدًا في هذا التوفير؛ إذ نراه يتقيد بقيود كثيرة، لا تقف عند الموسيقى والتصوير؛ بل تتعدى ذلك إلى الموضوعات والألفاظ والمعاني، وقد عبَّر عن هذا الجانب في أشعاره يقول امرؤ القيس1:

عُوجَا على الطلل الْمُحِيلِ لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خِذام2

ويقول زهير:

ما أرانا نقول إلا مُعارا ... أو مُعادًا من لفظنا مَكْرورا

ويقول عنترة:

هل غادر الشعراء من مُتَرَنَّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهُّمِ3

وما يقوله امرؤ القيس من أنه يريد أن يبكي كما بكى ابن خذام، وما يقوله زهير من أن الشعراء يبدئون ويعيدون في ألفاظهم، وما يقوله عنترة من أن نهج الشعراء في قصائدهم مطرد على وتيرة واحدة، كل ذلك دليل على أن الشاعر القديم كان يأخذ فنه بقيود ورسوم كثيرة في اللفظ والموضوع والنهج العام. ومن يرجع إلى طوال النماذج الجاهلية ويترك المقطعات القصيرة يلاحظ في وضوح أنها تأخذ نمطًا معينًا في التعبير والأداء، وكأنما العصر الجاهلي نفسه هو الذي أعدَّ "للقصيدة التقليدية" عند العرب قصيدة المدح والهجاء؛ فإن الشعراء كانوا يحرصون في كثير من مطولاتهم منذ العصر الجاهلي على أسلوب موروث فيها؛ إذ نراها تبتدئ عادة بوصف الأطلال وبكاء الدِّمَن، ثم تنتقل إلى وصف رحلات الشاعر في الصحراء، وحينئذ يصف ناقته التي تملأ حسه ونفسه وصفًا دقيقًا فيه حذق ومهارة، ثم يخرج من ذلك إلى الموضوع المعين من مدح أو هجاء أو غيرهما، واستقرت تلك "الطريقة التقليدية" في الشعر العربي، وثبتت أصولها في مطولاته الكبرى على مر العصور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015