أقول: إن أبا الطيب لم يقصد إلا مقصدا صالحا، ولكن هذا الرجل لم يتفطن له؛ لأنه مدحه بالسخاء والشجاعة، وهما المعنيان الشريفان الجليلان، فقال في القسم الأول وهو قسم السخاء يا بحر يا غمامة، وابتدأ بالبحر لأنه دون الغمامة مكانا؛ لأنه تحتها وهي ربته؛ لأنه منها يتكون، ولولا الغمامة لم تكن مياه الغدران والأمطار، وما يتكون منها كالأنهار، فإن هذه الأشياء هي التي يعنيها بالبحر لا البحر الذي هو الماء الملح، ولا الأسطقس الكلي1.
ثم قال في قسم الشجاعة: يا ليث الشري يا حمام، فابتدأ بالليث وانتقل إلى الحمام بعده، لأن الليث لولا الحمام لم يرهب، فالحمام أشد رهبة في الصدور من الليث، ثم ختم البيت بقوله يا رجل، أي أنت هذه الأشياء كلها، وأنت مع ذلك إنسان من البشر، وذلك أعجب وأطرف.
وإنما قدم السخاء على الشجاعة؛ لأن حاجة جمهور الناس إلى السخاء أكثر من حاجتهم إلى الشجاعة، والناس إلى رئيس عظيم السخاء أميل منهم إلى رئيس عظم الشجاعة؛ لأن انتفاعهم به أكثر، فأبو الطيب قصد هذا المقصد، أو يصح أنه يقصد هذا المقصد، ولو أتى بالبيت على الترتيب الذي ذكره المصنف لم يحصل له هذا المعنى.