الكامن معنى الإنسانية، وهو الاستعداد للعلوم والصنائع، فكل أحد يعرف ذلك، ولا خصوصية للعرب فيه. وإن عنى بالمعنى الكامن الأخلاق كالشجاعة والسخاء، فليس هذا مختصا بالإنسان، بل جميع الحيوانات يوجد فيها ذلك، كالشجاعة في الأسد، والسخاء في الديك، وما أعلم ما أراد أبو علي بهذا الكلام.

على أن هذا القسم الأخير ليس عبارة عن حقيقة الإنسان، فإنه لا يقال في حده حيوان شجاع، ولا حيوان سخي، بل حيوان ناطق، فقد أخطأ أبو علي من وجهتين: أحدهما أنه جعل حقيقة الإنسان عبارة عن خلقه، والثاني أنه أدخل في التجريد ما ليس منه1.

أقول: إن أبا علي رضي الله عنه لا يلزمه تفسير ما كانت العرب تتخيله وتتوهمه في الإنسان، ولا هذا من وظيفته، ولكن أبا علي قال إننا لما وجدنا العرب الذين صناعتنا البحث عن مجاري كلامهم يخاطبون في الشعر أنفسهم، فيقولون: قلت لقلبي، وقال لي، وقلت لنفسي، وقالت لي، ويقولون: سألت مه لما سألته البحر، فيأتن بلفظة منه، كما يأتون بها في قولهم غصبت منه السيف، وأخذت منه الثوب، فيفيد ظاهر كلامهم أن المسئول منه غيره، كما أن المغصوب منه غيره، أفادنا إكثارهم من هذا وتكرارهم لاستعماله أنهم يتوهمون أن في هذه البنية المشاهدة أمرا كامنا، هو محصول الإنسان، وهذا الهيكل الظاهر هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015