سبيل اللذة بالطعن في الأعراض تشفياً بحسب المقدور، حتى قال بعض الأعراب: لم يبق من لذات الدنيا إلا الطعن في أعراض اللئام.
ثم يتعود لسانه هذه المعصية العظيمة حتى تصير له خلقاً وفكاهة ونقلا ويساعده على ذلك إمكانها وتسهيلها وعدم افتقارها إلى أدوات وآلات، وكونها عبارة عن النطق الذي هو انضغاط الهواء في المجرى على مقاطع الحروف، والهواء والتنفس طبيعي للحيوان بخلاف غيرها من المعاصي لتوقفه على أدوات كثيرة.
وأيضاً فالإنسان خلق فعالاً بالطبع كما ذكره الشيخ في الإشارات ولا يتخلف عن مقتضى طبعه من الفاعلية إلا لصارف وصاد كما في الأفعال الشاقة التي لا يمكن مزاولتها إلا بتجشم الكلف والمؤن، وكما في الصارف العقلي أو الوهمي من الكلام المضر. فمهما وجد المقتضى وزال الصارف عن الفعل كما في الكلام عملت الطبيعة عملها، ولذلك كان الامتناع من الكلام ولزوم السكوت عسيراً شديداً.
(ومنها) كون الفلاكة غطاءاً وستراً على محاسن المفلوك وكمالاته النفسانية وأدواته ومعارفه، حتى أن الفلاكة تسري إلى نطقه ومصنوعاته ومقاصده، فإما أن يغفل عن محاسن كلامه ومقاصده ولا يعبأ بها ويعرض عنها، وأما أن يصرف كلامه عن ظاهره بوجه من التأويل، وأما أن لا يفهم مراده منه، وأما أن يدعى عليه غير مراده، وأما أن يدعى فساد قصده فيه. ولذلك تروج بعض الكتب بنسبتها إلى رجل مرموق بعين الجلالة كما فعل في الورقات حيث نسبت إلى إمام الحرمين، وليست له بشهادة عباراته الفائقة الرائقة في باقي كتبه ومخالفة الورقات لما في البرهان في التصحيح والحكم، وكما فعل في السر المكنون وفي المضنون به على غير أهله حيث نسبا إلى الغزالي كما قاله الأسنوي في الطبقات وليسأله كما ذكره في الطبقات.
ولذلك أيضاً تجد البحث النفيس يلقيه الباحث بين الأفاضل فيبادرونه بالإنكار والتزييف والمناقشة ويضايقونه فيه حتى يقول لهم هذا البحث قاله الإمام فخر الدين الرازي أو الزمخشري مثلا أو من في معناهما، فحينئذ يرجعون إلى ذلك البحث بالتأويل والتثبت ويعترفون بحسنه، وربما يزيدونه توجيهاً وتقريراً.
ولكون الفلاكة غطاءاً وستراً على المحاسن تجد الشهرة والصيت والسمعة يقعن في غير موقعها غالباً، فرب شخص مشهور بالعلم أو الصلاح وليس هناك، ورب شخص قعدت عنه الشهرة وهو أحق