تربى، بادئ الأمر، في «كتاب» إسلامي، ثم أم الأزهر في سنة الثالثة عشرة. فلم يعجبه الأزهر كثيرًا، لكنه لعب دورًا جوهريًا في تنشئته. ففيه تعرف إلى أفكار محمد عبده، إذا استمع إلى محاضرة أو اثنتين من محاضراته، كما اكتسب كل ما كان لا يزال في الوسع اكتسابه في الأزهر: معرفة واسعة للغة العربية وآدابها الكلاسيكية التي كان يتقن تدريسها أستاذ أبعد نظرًا من معظم زملائه. ومع أنه مكث في الأزهر عشر سنين، فإن فكره اتجه اتجاهًا آخر قبل أن يغادره نهائيًا. كان قد قرأ المؤلفين المصريين العصريين والصحفيين اللبنانيين، وألتحق بحلقة لطفي السيد و «الجريدة»، ودرس اللغة الفرنسية، واستمع إلى محاضرات في الجامعة المصرية الجديدة كان يلقيها كبار مستشرقي أوروبا وأميركا، أمثال ليتمان، ونالينو، وسنتيانا، ففتحت لثقافته الموروثة آفاقًا جديدة. ثم ذهب إلى فرنسا في 1915، حيث مكث أربع سنوات كانت له، كما كانت للطهطاوي، عاملًا حاسمًا في توجيه تفكيره. فهناك طالع مؤلفات أناتول فرانس، واستمع إلى دروس دوركهايم، ووضع رسالة عن ابن خلدون، وتزوج بالمرأة التي كانت له بمثابة عينيه.
وبعد عودته في 1919، تسنى له أن يتوسط، طيلة ثلاثين عامًا أو ما يقاربها، الحياة الأدبية والتدريسية في مصر، كأستاذ وعميد في جامعتي القاهرة والإسكندرية أولًا، ثم كموظف في وزارة التربية، وأخيرًا، من 1950 إلى 1952، كوزير للتربية في حكومة الوفد الأخيرة. وقد مر، خلال هذه المرحلة النشيطة من حياته، في أزمتين حادتين، وقعت الأولى في 1926، عندما أحدث كتابه «في الشعر الجاهلي» ضجة حملته على تعديله. ففي هذا الكتاب الذي طبق فيه أساليب النقد العلمي الحديث على شعر شبه الجزيرة العربية القديم، بين الأسباب التي تحمل على الشك في أن يكون هذا الشعر قد نظم فعلًا قبل الإسلام. وقد أثار ذلك معارضة