فقد رأى أن الجماعة ليست شرعة عليا لنفسها. كما رأى مع لابرويار أن لا وطن بدون حرية. ولا حرية بدون فضيلة (4). وزعم أن الشرق الأدنى بحاجة ملحة إلى التربية السياسية، أي إلى تهذيب الخلقية السياسية، لأنه لا يزال في بدء المرحلة السياسية من التطور الاجتماعي، التي يكون الناس فيها مسؤولين عن أنفسهم. لكن هذا الاتزان الذي يظهر لدى أديب إسحاق ينحرف قليلًا لدى صحفي آخر من صحفيي ذلك العهد هو عبد الله النديم (1844 - 1786). كان عبد الله النديم، إبان الأزمة بين مصر وبريطانيا، لسان حال عرابي ورفاقه، ثم أصبح بفضل مواهبه كخطيب شعبي ذا نفوذ كبير. لكنه توارى عن الأنظار بعد إخفاق حركة عرابي، ولم يعد إلى الظهور حتى 1891. إذ ألقي القبض عليه ونفي. وعندما خلف عباس حلمي الخديوي توفيق، سمح لعبد الله النديم بالعودة إلى مصر. لكنه ما لبث، حين استأنف نشاطه كصحفي شعبي، أن أثار عليه حفيظة الخديوي، فأعاده إلى المنفى مرة أخرى، حيث قضى أيامه الأخيرة في إسطنبول على نفقة السلطان.
عبرت مقالات عبد الله النديم: للمرة الأولى، تعبيرًا كاملًا عن تلك المشاعر التي تراكمت حول مفهوم الأمة وكونت الحالة النفسية المعروفة «بالقومية». وقد شدد، قبل كل شيء، على أهمية الوحدة الوطنية. فوضع رواية كانت من أولى الروايات التمثيلية، عنوانها «الوطن»، أظهر فيها «الوطن»، في صورة رمزية، مبشرًا بأهمية التعاون (5). وكان يعتقد أن الوحدة الوطنية تشمل الأقباط في أرض مصر كالأجانب، وخصوصًا السوريين الذين هاجمهم بعنف بالغ على أنهم دخلاء ومرابون فاحشون وصنائع للفاتح الأجنبي (6). وأعار أهمية خاصة للتربية الوطنية التي تعلم الناس المحافظة على الثقافة الوطنية التي هي خيرهم المشترك. وكان يقول إن الشبان المصريين، ممن توافدوا على باريس. كانوا