ودقيق. لذلك خسر خير الدين في آخر الأمر تأييد الجميع. فقد شجع بادئ الأمر المشاريع البريطانية، ثم الفرنسية. وعندما وقعت الحرب الروسية التركية، وجد نفسه في مأزق حرج. فقد كان القنصل البريطاني يريد من تونس أن تدعم سيدها السلطان، بينما كانت الدول الأخرى لا تريد ذلك. فمال خير الدين نحو الإنكليز ميلًا كان كافيًا لإغضاب الفرنسيين، إلا أنه لم يكن كافيًا لإرضاء القنصل وود. فخسر بذلك الدعم الأجنبي، وأصبح عاجزًا عن الوقوف في وجه الباي، الذي كان قد نقم عليه لسعية في سبيل الحد من السلطة الملكية، والذي شعر، في 1877، بقدرة كافية للاستغناء عنه.
بذلك انتهت حياة خير الدين السياسية في تونس، فبدأ حياة سياسية جديدة في القسطنطينية، إذ دعاه إليها السلطان الشاب عبد الحميد، الذي كان قد اطلع على كتابه (41). ولم يمر عليه وقت طويل هناك حتى اكتسب بعض النفوذ لدى عبد الحميد. ولا عجب، فقد كان ذا كفاءة يدعمها تدينه واقتناعه بأن استقلال الإمبراطورية ضروري لخير الإسلام. أضف إلى ذلك أنه كان غريبًا عن البلاد، كما كان لا يجيد اللغة التركية، مما جعله يعتمد كليًا على نعمة السلطان، فيتجنب الاشتراك في المؤامرات الخطرة ضده. وهكذا، ففي كانون الأول 1878 عينه كبيرًا للوزراء، أو صدرًا أعظم. وقد اقترنت ولايته بحدث هام: خلع الخديوي إسماعيل عن عرش مصر. وكان خير الدين هو المسؤول رسميًا عن هذا الحدث، إذ كان إسماعيل قد خالف أحد المبادئ الأساسية لسياسته، وهو أنه فتح الباب للتدخل الأوروبي بفصمه الروابط التي كانت قائمة بين مصر والسلطان. غير أن الصعوبات ما عتمت أن واجهت خير الدين كصدر أعظم. إلا أن بعضها على الأقل كان ناجمًا عن شخصيته التي لم تكن لتشجع على تسهيل التعامل بينه وبين زملائه. وقد وصفه السفير البريطاني، لايارد، الذي كان يتعامل معه تعاملًا وثيقًا ووديًا، وصفًا تبرز فيه صفات العنفوان والتعالي والخشونة التي