الطوافين؛ فليس بنجس، وهل يستريب أحد أن الطبيب إذا قال: لا تأكل هذا الطعام فإنه مسوم، ولا تشرب هذا فإنه مسكر، إنه نهاه عن كل طعام مسموم، وكل شرب مسكر.

وهذا إنما يرد على ابن حزم وغلاتهم، وإلا فجمهورهم أخذ بالقياس الجلي كما سبق، بل قالوا بالقياس في مواضع لم يقل به غيرهم فيها، فقد نقل أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" عنهم أنهم أجازوا مسائل في الإجازة منعها غيرهم، كإعطاء دابة لرجل يسقي عليها بنصف ما يرزق بسعيه عليها، وأن يعطي الحمام لمن ينظر فيه بجزء مما يحصل من غلته كل يوم، وأمثال هذا من المجهولات في الإجارة قياسا على القراض والمساقاة، وعلى ما أباحه الله من إجارة المرضع، وما يأخذ الصبي من لبنها مجهول لاختلاف أحوال الصبي ولبن المرضع، والقرآن أجازه، نقله المواق في أول الإجارة، فها أنت تراهم قاسوا على المرضع والقراض والمساقاة، أما غيرهم، فلم يقس على ذلك، ورآها رخصة لا تتعدى محلها، وهم لم يروها رخصة، بل رأوها أصلا يقاس عليه لقطعهم بنفي الفارق، فيرونه قياسا جليا رغما عما يرونه من أن الأصل في العقود الفساد، فهذا يرونه أصلا خالف الأصل وهو من الغريب.

الثاني: تقصيرهم في فهم النصوص، فكم من حكم دل عليه النص ولم يفهموا دلالته، لحصرهم الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ دون إيمائه وتنبيهه وإشارته وعرفه عند المخاطبين، فلم يفهم غلاتهم كابن حزم من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 1 ضربا ولا سبا ولا إهانة غير لفظة أف فقصروا في فهم كتاب الله، كما قصروا في اعتبار ميزانه الذي هو القياس.

الثالث: أنهم حملوا الاستصحاب فوق ما يستحق، وجزموا بموجبه لعدم علمهم بالناقل، ولا يلزم من عدم علمهم به عدم وجوده، وليس عدم العلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015