الصنعة, وإن كان الشافعي متبعًا للحديث ومفتشًا عن السنة لكن بتقليد غيره والاعتماد على رأي سواه, ولا اعتراف بالعجز عن معرفته, فقد كان يقول لابن مهدي وأحمد: أنتما أعلم بالحديث مني, فما صحَّ عندكما فعرفَّاني به لآخد به, ثم قال: وله في تقرير الأصول وتمهيد القواعد وترتيب الأدلة ما لم يسبقه إليه أحد, وكل من جاء بعده عيال عليه مع التفنن في لسان العرب والقيام بالخبر والنسب1.
لكن قوله: إنه ضعَّفه فيه أهل الصنعة, قد علمت ما فيه ولا يلزم من كون أحمد وابن مهدي أعلم منه أنه ضعيف فيه, وحاشاه من الضعف مع إمامته، وغاية الأمر أنه لم يكن في رتبة أحمد ومالك فيه، ثم هو عالم قريش, ففي حديث أبي هريرة عنه -عليه السلام: "اللهم اهد قريشًا, فإن عالمها يملأ طباق الأرض علمًا" كذا في المدراك2، وذكره في الطبقات السبكية بألفاظ أخر فانظرها3، والحديث متكلم فيه ولا نسلم تفسيره بالشافعي, مع وجود ابن عباس قبله كما تقدَّم لنا في ترجمته4.
وقد رحل الشافعي إلى العراق لما تولَّى ولاية في اليمن, فاتُّهِمَ بالتشيع لشيعة العلويين زمن الرشيد, فأشخص إلى العراق ثم عفا عنه الرشيد لبراءته، وقد قال للرشيد: أنترك من يقول إني ابن عمه يعني الرشيد, وأصير إلى من يقول: إني عبده, يعني إمام الشيعة, فأثر ذلك في الرشيد وأطلقه, ووصله فاختلط بمحمد بن الحسين الشيباني صاحب أبي حنيفة, واطَّلع على كتب الحنفية وفقههم, بعد ما كان منه من الاطلاع على فقه مالك وحفظه لموطئه, فوقعت مناظرات بينه وبين محمد بن الحسين, مذكورة في كتب الشافعي، وقد رفعت إلى الرشيد وسر منها.
من ذلك أنه دخل يومًا على محمد بن الحسن وهو يقرر عند جوازه الزيادة على القرآن ويطعن على أهل المدينة في قضائهم بالشاهد واليمين بأنها زائدة على