إذا نظر الحاكم في جناية الجاني؛ قتلاً كانت الجناية أو دون ذلك كالقطع ونحوه، ثم حكم عليه بالقصاص؛ فلولي المقتول أن يطلب من الحاكم تمكينه من استيفاء القصاص بنفسه، وعلى الحاكم أن يمكنه من ذلك، ليشفي ولي المقتول غليله بالقصاص. ويشترط لاستيفاء ولي المقتول القصاص بنفسه شرطان اثنان:
الشرط الأول: أن يكون ذلك بإذن من الإمام، فلو بادر واقتص من الجاني دون أن يستأذن الإمام أو الحاكم أثم، وعلى الحاكم أن يعزره بالعقوبة التي يراها من حبس أو ضرب، ولكن لا يجوز له أن يقتص منه.
هذا إذا كان في البلدة إمام أو حاكم، أما إذا وقعت الجناية حيث لا يوجد إمام أو حاكم، وكان بوسع ولي المقتول أن يقتص منه دون اندلاع فتنة فله ذلك.
الشرط الثاني: أن يكون القصاص في قتل النفس، فأما إذا كان في الأطراف والأعضاء، فالصحيح أنه لا يجوز أن يستوفيها إلا الحاكم بنفسه، أو بنائب عنه مفوض من قبله، وعلة ذلك أنه لا يؤمن من مباشرة ولي المقتول لذلك أن يقع حيف وظلم عند الاقتصاص من الجاني، بسبب جهالته بأصول القطع وتحري المماثلة فيه. أما القتل فلا ترد فيه هذه المخاوف.
وإذا كان المقتول أولياء متعددون، وأبوا إلا أن يستوفوا القصاص بأنفسهم وجب عليهم أن يفوضوا واحدا منهم بذلك نيابة عنهم، فإن اختلفوا وجب المصير إلى القرعة، ويقوم بتنفيذ القصاص من خرجت عليه القرعة من بينهم.
هذا ولا بد من البيان هنا أنه إذا كان أحد أولياء الدم غائباً ينتظر حتى يأتي، وإذا كان الجاني امرأة حاملاً انتظرها حتى تضع حملها وترضعه من لبنها حتى يستطيع الاستغناء عنها. وكذلك إذا كان في الورثة صغير ينتظر حتى يبلغ، أو كان هناك مجنون ينتظر حتى يفيق من جنونه، ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون.