ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف ابن مالك بلفظ «أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل». عليهم، والخلفاء الراشدين ما رسوا القضاء، ولنا فيهم قدوة، ولأن القضاء إذا أريد به وجه الله تعالى يكون عبادة خالصة، بل هو من أفضل العبادات، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين يوماً» (?).
وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما وَلُوا» (?) قالوا: وأما الأحاديث التي فيها ذم القضاء فهي محمولة على القاضي الجاهل أو العالم الفاسق، أو الذي لا يأمن على نفسه الرشوة (?).
قال القدوري الحنفي: ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه (أي يعلم من نفسه) أنه يؤدي فرضه: وهو الحكم على قاعدة الشرع. ويكره الدخول فيه لمن يخاف العجز عنه أي عن القيام به على الوجه المشروع، ولا يأمن على نفسه الحيف (أي الظلم). ولا ينبغي للإنسان أن يطلب الولاية بقلبه، ولا يسألها بلسانه (?)، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من طلب القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه نزل عليه ملك يسدده» (?).