رأوه قاموا في وجهه يبكون: رجالهم ونساؤهم، وقالوا: يا أبا لبابة كيف ترى لنا؟ أننزل على حكم محمد؟ قال: نعم فأشار بيده إلى حلقه، يعني أنه الذبح، ثم ندم على هذه الكلمة من وقته، فقام مسرعاً فلم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء مسجد المدينة فربط نفسه بسارية المسجد وحلف لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال: «دعوه حتى يتوب الله عليه» وكان من أمره ما كان حتى تاب الله عليه رضي الله عنه.
ثم إن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأسلم ليلتئذ ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل من بني عم قريظة والنضير، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فانطلق، فلم يعلم أين ذهب وكان قد أبى الدخول معهم في نقض العهد.
ولما نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم، قالت الأوس: يا رسول الله، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت وهم حلفاء إخوتنا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فقال: «ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟» قالوا: بلا.
قال: «فذاك إلى سعد بن معاذ» ، وكان سعد إذ ذاك قد أصابه جرح في أكحله، وقد ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد، ليعوده من قريب، فبعث إليه صلى الله عليه وسلم فجيء به وقد وطؤوا له على حمار، وإخوته من الأوس حوله محيطون به، وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فلما أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله