قلت أما ابن حزم فإنه معذور لأنه من كبار الظاهرية، ولا يمكنه العدول عن هذا النص، ولكن في ترجيح أحد هذين الفعلين على الآخر نظر وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحداً من الفريقين، فمن يقول بتصويب كل مجتهد، فكل منهما مصيب ولا ترجيح، ومن يقول بأن المصيب واحد ـ وهو الحق لاشك فيه ولامرية، لدلائل من الكتاب والسنة كثيرة ـ فلا بد على قوله من أن أحد الفريقين له أجران بإصابة الحق، وللفريق الآخر أجر، فنقول وبالله التوفيق: الذين صلوا العصر في وقتها حازوا قصب السبق، لأنهم امتثلوا أمره صلى الله عليه وسلم في المبادرة إلى الجهاد وفعل الصلاة في وقتها، ولا سيما صلاة العصر التي أكد الله سبحانه المحافظة عليها في كتابه بقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وهي العصر على الصحيح المقطوع به إن شاء الله من بضعة عشر قولاً، والتي جاءت السنة بالمحافظة عليها.
فإن قيل: كان تأخير الصلاة للجهاد حينئذ جائزاً، كما أنه صلى الله عليه وسلم أخر العصر والمغرب يوم الخندق واشتغل بالجهاد، والظهر أيضاً كما جاء في حديث رواه النسائي من طريقين، فالجواب أنه بتقدير تسليم هذا وأنه لم يتركها يومئذ نسياناً، فقد تأسف على ذلك، «حيث يقول لما قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله! ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال والله ما صليتها» وهذا يشعر بأنه