وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ. فَقَالَ: هَذَا الْحَرُورِيُّ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ فِي النَّارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: (مَرَّ بِي أَنَسٌ وَقَدْ بَعَثَهُ زِيَادٌ) إلَى أَبِي بَكْرَةَ يُعَاتِبُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَأَبْلَغَهُ عَنْهُ، وَقَالَ: إنَّهُ يَقُولُ: أَلَمْ أَسْتَعْمِلْ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى فَارِسَ؟ أَلَمْ أَسْتَعْمِلْ رَوَّادًا عَلَى دَارِ الرِّزْقِ؟ أَلَمْ أَسْتَعْمِلْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى الدِّيوَانِ وَبَيْتِ الْمَالِ؟ فَقَالَ (أَبُو بَكْرَةَ) : هَلْ زَادَ عَلَى أَنْ أَدْخَلَهُمْ النَّارَ قَالَ أَنَسٌ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا مُجْتَهِدًا، فَقَالَ الشَّيْخُ: أَقْعِدُونِي إنِّي لَا أَعْلَمُهُ إلَّا مُجْتَهِدًا، فَأَهْلُ حَرُورَاءَ قَدْ اجْتَهَدُوا، فَأَصَابُوا أَمْ أَخْطَئُوا؟ قَالَ الْحَسَنُ فَرَجَعْنَا مَخْصُومِينَ " فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا وَرَدَ مِنْ وَعِيدِ الْمُخْطِئِ فِي اجْتِهَادِهِ، فِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَجْتَهِدَ - وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ - جَاهِلًا بِالْأُصُولِ، أَوْ حَافِظًا لَهَا جَاهِلًا بِطُرُقِ الِاجْتِهَادِ، وَوُجُوهِ الْمَقَايِيسِ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ الِاجْتِهَادُ.
وَرَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ: فَقُلْت مَا هَذَا الَّذِي اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ قَالَ: كَانَ قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَقْضِيَ أَنْ لَا يَقْضِيَ
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَعَمَّ الْجَمِيعَ إذَا أَخْطَئُوا. قِيلَ لَهُ: خَصَصْنَاهُ فِيمَنْ ذَكَرْنَا، لِلدَّلَائِلِ الَّتِي قَدَّمْنَا فِي إبَاحَةِ الِاجْتِهَادِ، وَبِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ: الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ، وَبَيْنَ مَنْ