لِأَنْفُسِهِمْ إمَامًا فِي كُلِّ عَصْرٍ - إذَا خَلَوْا مِنْ إمَامٍ - عَلَى أَغْلَبِ رَأْيِهِمْ فِي الْأَفْضَلِ وَالْأَصْلَحِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ يُوَلِّي أُمَرَاءَ السَّرَايَا وَالْقُضَاةَ وَجُبَاةَ الصَّدَقَاتِ، كُلُّ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُوجِبَةِ لِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي أُمُورِ الدِّينِ لَا تَوْقِيفَ فِيهَا وَلَا إجْمَاعَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِرُشْدِهِ، وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ قَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ، مِنْ حَيْثُ لَا يَسَعُ الشَّكُّ فِيهَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ بِمَجْمُوعِهَا، تُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَصِيرُ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلَامِ فِي الْأَخْبَارِ، لِامْتِنَاعِ جَوَازِ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ فِي جَمِيعِهَا. وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى: أَنَّهَا مُسْتَفِيضَةٌ فِي الْأُمَّةِ، قَدْ تَلَقَّتْهَا بِالْقَبُولِ. فَمِنْ (ذَلِكَ) مَا رُوِيَ «أَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَتَلَهُ، فَشُكَّ فِي أَمْرِهِ، وَهَابُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَ سَلَمَةُ أَخُوهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، أَنَّهُ يَضْرِبُ الْعَدُوَّ فَأَخْطَأَهُمْ. فَلَمْ يُعَنِّفْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعِبْ الْقَوْمَ الَّذِينَ تَهَيَّبُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، بِاجْتِهَادِهِمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ (حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَأُنَاسًا مَعَهُ، فِي طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015