وَمِثْلُهُ احْتِجَاجُ عُمَرَ عَلَى الزُّبَيْرِ وَبِلَالٍ، وَنَفَرٍ مَعَهُمَا، حِينَ سَأَلُوهُ قِسْمَةَ السَّوَادِ وَرَاجَعُوهُ فِيهِ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] فَلَوْ قَسَّمْت السَّوَادَ بَيْنَكُمْ كَانَتْ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَبَقِيَ آخِرُ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ فَعَرَفُوا صِحَّةَ اسْتِدْلَالِهِ، وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِهِ لِظُهُورِ دَلَالَتِهِ. وَكَذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ، لِأَنَّ فِي الْآيَةِ إبَاحَةً لِلْجِمَاعِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَصَادَفَ فَرَاغُهُ مِنْ الْجِمَاعِ طُلُوعَ الْفَجْرِ، أَنَّهُ يُصْبِحُ جُنُبًا، وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِحَّةِ صِيَامِهِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، فَكَانَتْ هَذِهِ دَلَالَةً فِي أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَنْفِي صِحَّةَ الصَّوْمِ. وَنَحْوُهُ: اسْتِدْلَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَكُونُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَجَعَلَ الْحَمْلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَنَحْوُهُ: قَوْلُ مُعَاذٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَرْجُمَ حُبْلَى: إنْ يَكُنْ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ وَجْهُ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ أَعْلَمَ مِنْ مُعَاذٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ حَمْلِهَا مَا عَلِمَ مُعَاذٌ