أَخْبَارَهُمْ وَنَقْلَهُمْ لَهَا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ عُدِمَ الْعِلْمَ بِهَا، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَا الِاخْتِلَافِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأُصُولِ الشَّرْعِ الَّتِي عَلَيْهَا مَبْنَى فُرُوعِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنْ كُنْت لَا تَعْتَدُّ بِمَنْ ثَبَتَ ضَلَالُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا تَعُدُّ خِلَافَهُ خِلَافًا لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ مِنْ ضَلَالِهِ وَفِسْقِهِ، فَاَلَّذِي يَلْزَمُك عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: أَنْ لَا تَعْتَدَّ بِخِلَافِ (مَنْ ثَبَتَ) فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الِاعْتِقَادِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فِسْقُهُ لَا يَكُونُ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِمَّنْ حُكِمَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ، وَأَنَابَ إلَيْهِ.
قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ مَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُ، وَكَيْفَ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَهُوَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا فُتْيَاهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ تُجَوِّزُونَ عَلَى هَذِهِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي انْعَقَدَ بِهَا الْإِجْمَاعُ: الِانْتِقَالَ عَنْ حَالِ الْعَدَالَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ؟
قِيلَ لَهُ: مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فِي لُزُومِ قَوْلِهِمْ امْتَنَعَ خُرُوجُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْحَالِ إلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، لَمَّا كَانَ حُجَّةً عَلَى أُمَّتِهِمْ، لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِمْ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ وَالِانْتِقَالُ عَنْ الْحَالِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا؟
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، إذَا قَامَ غَيْرُهُمْ بَدَلًا مِنْهُمْ، لِئَلَّا تَخْلُوَ الْأُمَّةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا قَوْمٌ مُتَمَسِّكُونَ بِالْإِيمَانِ، قَائِمُونَ بِحُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّتِي هِيَ الْإِجْمَاعُ، وَجَعَلُوا انْتِقَالَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِحُجَّةِ الْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو فِي الْحَالَيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً.