النَّاسِ وَالْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَالُوهُ، وَشَهِدُوا بِهِ، الَّذِينَ وَصَفَهُمْ أَنَّهُمْ وَسَطٌ، وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ، وَقَدْ قِيلَ: الْوَسَطُ الْخِيَارُ.

كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] يَعْنِي خَيْرُهُمْ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْعَدْلَ الْخِيَارُ، وَالْخِيَارَ الْعَدْلُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الِاعْتِدَادِ بِإِجْمَاعِهِمْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} [لقمان: 15] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] وَقَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] . فَأَلْزَمَنَا اتِّبَاعَ مَنْ أَنَابَ إلَيْهِ، وَالِاقْتِدَاءَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَبِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ.

وَأَهْلُ الضَّلَالِ وَالْفِسْقِ بِخِلَافِ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُمْ، وَمَتَى أَجْمَعَتْ فِرَقُ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَلَى أَمْرٍ، عَلِمْنَا: أَنَّ الْمَأْمُورَ بِاتِّبَاعِهِ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ أَنَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، دُونَ (أَهْلِ) الضَّلَالِ وَالْفَاسِقِينَ.

فَدَلَّ ذَلِكَ: عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِخِلَافِهِمْ، إذْ كَانُوا لَوْ وَافَقُوهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُتَّبَعِينَ وَلَا مُقْتَدًى بِهِمْ. وَلَا كَانَ قَوْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ: أَنَّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي قَدْ شَمِلَهَا الْوَصْفُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَدَالَةِ، وَلُزُومِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلِأَجْلِ مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ الْأَصْلِ. لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ الْخَوَارِجِ، وَسَائِرِ فِرَقِ الضَّلَالَةِ، لِمَا قَدْ ثَبَتَ مِنْ ضَلَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَمِمَّا يُوجِبُ أَيْضًا أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي الْإِجْمَاعِ: أَنَّ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى السَّمْعِ. وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأُصُولَ السَّمْعِيَّةَ لَمْ يَصِلْ إلَى عِلْمِ فُرُوعِهَا. وَالْخَوَارِجُ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ قَدْ أَكْفَرَتْ السَّلَفَ الَّذِينَ نَقَلُوا الدِّينَ، وَلَمْ يَقْبَلُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015