فَصْلٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ يَقَعُ التَّعَارُضُ فِي الْخَبَرَيْنِ إذَا وَرَدَا فِي شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إذَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ: عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا نَفْيًا لِلْآخَرِ. مِثْلُ مَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ. فَقَالَ: لَا شَيْءَ لَهُمَا» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» ، فَلَوْ خَلَّيْنَا وَظَاهِرُهُمَا لَمْ يَتَعَارَضَا، وَاسْتُعْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا وَرَدَ، لِأَنَّ نَفْيَ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ غَيْرُ نَافٍ لِمِيرَاثِ الْخَالِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ.
إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْخَالَ إنْ ثَبَتَ مِيرَاثُهُ - كَانَ مِيرَاثُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ثَابِتًا.
وَأَنَّهُ. إنْ سَقَطَ مِيرَاثُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ سَقَطَ مِيرَاثُ الْخَالِ. صَارَ انْضِمَامُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا إلَى الْخَبَرِ مُوجِبًا لِتَعَارُضِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، ثُمَّ يَكُونُ إثْبَاتُ الْمِيرَاثِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَاقِلٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَنَفْيُ الْمِيرَاثِ وَارِدٌ عَلَى الْأَصْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي خَبَرِنَا إثْبَاتَ الْمِيرَاثِ، وَفِي خَبَرِهِمْ نَفْيَهُ، وَمَتَى اجْتَمَعَ خَبَرٌ نَافٍ وَخَبَرٌ مُثْبِتٌ كَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا عَدَدُ الْمُخْبِرِينَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمُضَادَّيْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ عِنْدَنَا، إذَا لَمْ يَبْلُغْ مِقْدَارًا يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْوِيَ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَاحِدٌ، وَيَرْوِي الْآخَرَ اثْنَانِ.
وَزِيَادَةُ الْعَدَدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُوجِبُ تَرْجِيحَ أَكْثَرِهِمَا عَدَدًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمَا عَدَدًا أَقْوَى فِي النَّفْسِ مِنْ أَقَلِّهِمَا عَدَدًا، كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الْأَرْبَعَةِ بِمِلْكِ هَذَا الْعَبْدِ لِعَمْرٍو أَقْوَى فِي