ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ أَمَرَ بِهِ) إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ قِيَاسٌ وَلَا لَفْظٌ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ خِلَافَ ظَاهِرِهِ كَمَا جَازَ أَنْ يُخْبِرَ شَاهِدَا التَّعْدِيلِ عَنْ عَدَالَةٍ ظَاهِرَةٍ بَاطِنُهَا خِلَافُ ظَاهِرِهَا. فَإِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ انْسَلَخَ عَنْ الْمِلَّةِ وَوَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَا يَصِفُهُ بِهِ مُسْلِمٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: إنَّ الَّذِي ذَكَرْته مِنْ أَمْرِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ شَاهِدٌ لَنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا لَوْ جَعَلْنَاهُ أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا كَانَ أَوْلَى، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْعَدَالَةِ لَمَّا كَانَ مَرْجِعُهُ إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ وَلَا حَقِيقَةِ عِلْمٍ بِحَالِهِ وَكَانَ الْإِخْبَارُ بِالْجَرْحِ إنَّمَا (هُوَ) إخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةٍ مُشَاهَدَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْفِسْقِ كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى مِنْ التَّعْدِيلِ. كَذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسٍ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ. فَإِنْ قَالَ: لَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. قِيلَ لَهُ: هَذَا صَحِيحٌ، عَلَى مَا أَصَّلْنَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ لَمَّا كَانَ مُفْضِيًا بِنَا إلَى الْعِلْمِ (بِصِحَّةِ مَا أَدَّانَا إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَكَانَ الْحُكْمُ) بِمُوجَبِ الْعُمُومِ مِنْ طَرِيقٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ إذَا أَطْلَقَ كَانَ الْقِيَاسُ الْعَقْلِيُّ قَاضِيًا عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِمُوجِبَاتِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَالْعُمُومُ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمُوجِبَاتِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ إذْ جَائِزٌ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ فَإِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادٌ وَغَالِبُ ظَنٍّ لَا يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحُكْمِ، وَقَدْ يُوجِبُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِيهِ التَّخْصِيصَ وَكَانَ الْحُكْمُ بِالْعُمُومِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ بِقِيَاسٍ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أُصُولِ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهَا.
فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرِيعَةِ مَقْصُورًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ فِيمَا يُؤَدِّي بِنَا إلَيْهِ يَكُونُ مُطَّرَحًا.