{يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] إلَى قَوْلِهِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَجَعَلَ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ وَسَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ.
قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ مِيرَاثَ الْوَلَدِ بَدْءًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِهِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] لِأَنَّهُ قَالَ: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] يَعْنِي الْبِنْتَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] فَسِيَاقُهُ الْخِطَابُ بَعْدُ فِي حُكْمِ الْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ الْأَبَوَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَقَالَ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} [النساء: 11] فَلَمْ يَنْقَضِ ذِكْرُ الْوَلَدِ حَتَّى شَرَطَ تَقْدِيمَ الدَّيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ ثُمَّ ذَكَرَ مِيرَاثَ الزَّوْجَيْنِ وَعَقَّبَهُ بِذِكْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ وَحَكَمَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الْقِيَاسِ فِي تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ مَعَ سَائِرِ الْمَوَارِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا وَمَا حَصَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ فَاعْتِبَارُ الْقِيَاسِ فِيهِ خَطَأٌ.
فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ. قِيلَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ وَلَعَلَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ إنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ تَوْقِيفٍ أَوْ قَدْ يَكُونُ الْإِجْمَاعُ تَارَةً عَنْ تَوْقِيفٍ وَتَارَةً عَنْ رَأْيٍ.