عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي صِفَةِ الْمُجْمَلِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ فِي مَوْضِعٍ يُخَالِفُك فِيهِ خَصْمُك.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْعُمُومِ آكَدُ مِنْ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَا بُدَّ مِنْ (أَنْ) يَنُصَّ لُزُومُ اسْتِعْمَالِهِ إمَّا فِي الْجَمِيعِ وَإِمَّا فِي الْبَعْضِ، وَلَيْسَ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ جَائِزًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِأَنَّ مِنْ الْأُصُولِ مَا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْعُمُومِ لَا يُسْتَعْمَلُ حُكْمُهُ بِحَالٍ فَصَارَ حُكْمُ الْعُمُومِ آكَدَ مِنْ حُكْمِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُهُ بِهِ. وَعَلَى أَنَّ مُخَالِفَنَا فِي ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ تَرْكِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عِنْدَهُ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَلِ جَرْيُهَا فِي مَعْلُولِهَا وَأَنْ لَا يَرُدَّهَا أَصْلٌ، وَالْعُمُومُ أَصْلٌ يَرُدُّ هَذِهِ الْعِلَّةَ الَّتِي تَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ وَتَرْكَ الْعُمُومِ بِهَا، فَهَلَّا كَانَ الْقِيَاسُ مُمْتَنِعًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِاعْتِرَاضِ هَذَا الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ أَوْلَى مِنْهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعُمُومَ يَحْصُلُ مُخَصِّصًا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (لِلَّهِ تَعَالَى) عَلَى وُجُوبِ تَخْصِيصِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ بِقَوْلِهِ هَذِهِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ دُونَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا دَلِيلًا مِنْ غَيْرِهَا، وَجَرْيُهَا فِي مَعْلُولِهَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى صِحَّتِهَا لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ أَيْضًا فَجَعَلَ دَلِيلَهُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ دَعْوَى أُخْرَى أَضَافَهَا إلَيْهِ وَمِنْ شَرْطِهَا (أَيْضًا عِنْدَهُ) أَنْ لَا يَرُدَّهَا أَصْلٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْ فَسَادَهَا بِرَدِّ الْعُمُومِ إيَّاهَا وَهُوَ أَصْلٌ فَحَصَلَ الْعُمُومُ إذَا خُصَّ بِالْقِيَاسِ مَخْصُوصًا بِقَوْلِهِ لَا بِدَلِيلٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خُصُوصِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ اسْتَعْمَلَتْ الْأُمَّةُ الْقِيَاسَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ