وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ: قَوْلِي أَوْلَى وَأَصْوَبُ، بَعْدَ أَنْ يَعْتَدَّ بِشَرِيطَةِ مَا عِنْدَهُ فَيَقُولُ: هُوَ عِنْدِي أَصْوَبُ وَأَوْلَى، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدَهُ، فَيَقُولُ: هُوَ عِنْدِي أَصْوَبُ، لِأَنَّ فِي اجْتِهَادِي أَنَّ حُكْمَ هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْأَصْوَبَ وَالْأَوْلَى لِمُخَالِفِي اتِّبَاعُ قَوْلِي، وَلَا الرُّجُوعُ إلَى اجْتِهَادِي، فَلَا يَقُولُ أَيْضًا: إنَّ الْأَصْوَبَ عِنْدَ مَنْ خَالَفَنِي خِلَافُ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. وَأَمَّا دُعَاؤُهُ مُخَالِفِيهِ إلَى قَوْلِهِ وَمَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى ذَلِكَ: إذَا كَانَتْ مَقَالَاتُهُمْ قَدْ صَدَرَتْ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى النَّظَرِ وَالْمَقَايِيسِ، وَفِيهِ ضُرُوبٌ مِنْ الْفَوَائِدِ - مَعَ كَوْنِ الْجَمِيعِ مُصِيبِينَ -. مِنْهَا: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ: أَنَّ الِاجْتِهَادَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الِاسْتِقْصَاءُ فِي النَّظَرِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْفَحْصِ.
وَالثَّانِي: اجْتِهَادٌ دُونَ ذَلِكَ، قَدْ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّظَرِ أَقْرَبُ إلَى إصَابَةِ الْأَشْبَهِ، وَأَوْلَى بِمُصَادَفَةِ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَيْنِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ - وَأَنَّ مَا دُونَهُ أَبْعَدُ مِنْ مُوَافَقَةِ النَّظِيرِ وَإِصَابَةِ الْمَطْلُوبِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ فِي ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ (إصَابَةُ الْمَطْلُوبِ) وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ (الْأَجْرَ) الْوَاحِدَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْنَا، جَازَ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ دُعَاءُ مُخَالِفِهِ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَرِ وَاسْتِقْصَاءِ وُجُوهِ الْمَقَايِيسِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ بِهَذَا الْمَحَلِّ، وَأَنَّهُ قَدْ أَصَابَ حَقِيقَةَ النَّظِيرِ عِنْدَهُ، فَيَدْعُو إلَى ذَلِكَ، لِيَسْتَحِقَّ الْأَجْرَيْنِ، وَهَذَا وَجْهٌ سَائِغٌ (جَائِزٌ)