وَالْفُقَهَاءِ، إلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَالْجَهْلِ بِهِ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، وَيَجْعَلُهُ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِ الرِّشْوَةِ، وَاسْتِيكَالِ النَّاسِ بِهِ، كَمَا قَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ يَفْعَلُونَهُ، ثُمَّ يُوهِمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُسَوِّغٌ لَهُ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ اجْتِهَادَهُ قَدْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ جَوَازُ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا إلَى هَذِهِ الْمُسْتَنْكَرَةِ عَلِمْنَا فَسَادَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فِي التَّخْيِيرِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ظِنَّةٌ وَلَا تُهْمَةٌ بِاخْتِيَارِهِ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ. وَسَائِرُ الْوُجُوهِ الْمَانِعَةِ ذَلِكَ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مَعْدُومَةٌ فِيهِ، فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ النَّقْلُ فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا نَظَرٍ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُخَيَّرَ فِي إيقَاعِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ اخْتِيَارُ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، إلَّا (بِجَاذِبٍ - يَجْذِبُهُ) إلَيْهِ، وَدَاعَ يَدْعُوهُ إلَيْهِ، وَبِمَعْنًى يَتَفَرَّدُ بِهِ مِمَّا سِوَاهُ، كَنَحْوِ مَنْ يَدْعُوهُ دَاعٍ مِنْ نَفْسِهِ إلَى اخْتِيَارِ الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ يَرَاهُ أَسْهَلَ مَطْلَبًا (وَأَوْلَى) بِسَدِّ الْجَوْعَةِ. أَوْ اخْتِيَارِ الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا، أَوْ الْكِسْوَةِ، لِأَنَّهَا تَنْفَعُ فِي وُجُوهٍ لَا يَسُدُّ فِيهَا مَسَدَّهَا غَيْرُهَا، مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالزِّينَةِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ أَشْيَاءَ مِمَّا يُسَاوِي جِهَاتِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ، إلَّا بِضَرْبٍ مِنْ الرُّجْحَانِ، فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ مُلَازَمَتُهُ وَالثُّبُوتُ عَلَيْهِ، إلَى أَنْ يَثْبُتَ مِنْ رُجْحَانِ الْآخَرِ عِنْدَهُ مَا يُوجِبُ النَّقْلَ عَنْهُ. وَيَنْفَصِلُ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ تُنْقَلَ الْآرَاءُ وَتُبَدَّلُ الِاخْتِيَارُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ فِي أَحْوَالٍ مُتَقَارِبَةٍ، غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ. وَالتَّنَقُّلُ فِي اخْتِيَارٍ مِنْهُ يُخْرِجُهُ الِاجْتِهَادُ، لَا يَتَقَارَبُ أَوْقَاتُهَا إذَا كَانَ عَنْ نَظَرٍ وَفَحْصٍ، وَإِذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015