عَلَيْهَا، فَكَانَ قَوْلُ دَاوُد فِيهَا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَمَا نَصَّ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ خِلَافُ حُكْمِ دَاوُد قَبْلَ أَنْ يُمْضِيَ دَاوُد مَا رَآهُ فِيهَا. فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ فَهَّمَهَا سُلَيْمَانَ، يَعْنِي بِنَصٍّ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَخْطِئَتِهِ لِدَاوُدَ فِي الْحُكُومَةِ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا: بِمَا عَاتَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نَبِيَّهُ فِي مَوَاضِعَ كَانَ حُكْمُهُ فِيهَا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَاد. مِنْهَا: إذْنُهُ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ جَيْشِ الْعُسْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] وَالْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} [النساء: 106] وَمِنْهَا: مَا كَانَ مِنْهُ فِي شَأْنِ الْأَسْرَى، وَقَدْ كَانَ فَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ رَأْيِهِ، فَلَمْ يُعَرَّ مِنْ الْخَطَأِ فِيهِ. (قِيلَ لَهُ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَوْقَفَهُ عَلَى حَقِيقَةِ النَّظِيرِ الَّذِي هُوَ الْأَشْبَهُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَطَأُ) خَطَأً فِي الدِّينِ، وَلَكِنَّهُ خَطَأٌ لِلْأَشْبَهِ، وَعُدُولٌ عَنْ حَقِيقَةِ النَّظِيرِ عَلَى مَا قُلْنَا.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْك} [التوبة: 43] فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَنْبًا. وَلَيْسَ يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ خَطَأَ الْمُجْتَهِدِ ذَنْبٌ. وَالْعَفْوُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ التَّسْهِيلُ وَالتَّوْسِعَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: 187] يَعْنِي سَهَّلَ عَلَيْكُمْ.