أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا حَظَّ لِحُكْمٍ مُسْتَنْبَطٍ مَعَ حُكْمٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الْعِلَلُ. .

وَمَتَى تَعَارَضَتْ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا: قَدْ قَامَتْ دَلَالَتُهَا مِنْ جِهَةِ مَا لَهَا مِنْ التَّأْثِيرِ فِي الْأُصُولِ وَتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهَا. وَالْأُخْرَى: دَلَالَتُهَا وُجُودُ الْحُكْمِ بِوُجُودِهَا وَارْتِفَاعُهُ بِارْتِفَاعِهَا

، فَإِنَّ مَا طَرِيقُ إثْبَاتِهَا تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ (بِهَا) وَتَأْثِيرُهَا فِي الْأُصُولِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، لِأَنَّ الْأُولَى تَشْهَدُ لَهَا الْأُصُولُ، وَشَهَادَةُ الْأُصُولِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِمَّا ذُكِرَ؛ إذْ لَيْسَتْ فِي وَزْنِهَا وَمَنْزِلَتِهَا. .

وَتَرْجِيحُ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِمَا ضِدُّهُ الْعُمُومُ لَهَا يَكُونُ أَوْلَى مِمَّا يُنَافِي الْعُمُومَ وَيَخُصُّهُ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ أَصْلٌ، وَهُوَ شَاهِدٌ بِصِحَّةِ هَذَا الِاعْتِلَالِ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا يُنَافِي الْعُمُومَ وَيُضَادُّهُ.

وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُوجِبَةً لِرَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَا قَرُبَ مِنْهَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا، وَالْأُخْرَى تُوجِبُ رَدَّهَا إلَى مَا بَعُدَ مِنْهَا وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا، فَإِنَّ مَا يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَمَا قَرُبَ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، وَيَكُونُ هَذَا ضَرْبًا مِنْ التَّرْجِيحِ، نَحْوُ حَمْلِنَا لِمَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى سَائِرِ الْمَمْسُوحَاتِ، بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَسْحٌ، وَمَوْضُوعَهُ التَّخْفِيفُ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ مِنْ بَابِ الْمَسْحِ، وَمِنْ جِنْسِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ.

وَمَتَى تَعَارَضَ قِيَاسَانِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَوْلٌ مِنْ صَحَابِيٍّ لَا يُعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ مِنْ نُظَرَائِهِ، جَازَ أَنْ يُرَجَّحَ الَّذِي مَعَهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَيَكُونُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.

وَقَدْ حَكَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ هَذَا: أَنَّهُ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، إذَا لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ نُظَرَائِهِ خِلَافُهُ، فَإِذَا عَاضَدَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَحَدَ الْقِيَاسَيْنِ، كَانَ لِمَا عَاضَدَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015