صَحَّتْ الْمُعَارَضَةُ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي قَدَّمْنَا، لَزِمَ الْمُجِيبَ حِينَئِذٍ الِانْفِصَالُ مِمَّا عُورِضَ بِهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّرْجِيحِ يُبَيِّنُ بِهِ " أَنَّ " اعْتِلَالَهُ أَوْلَى مِنْ اعْتِلَالِ خَصْمِهِ. .

وَوُجُوهُ التَّرْجِيحِ مُخْتَلِفَةٌ:

فَمِنْهَا: أَنَّ الْمُجِيبَ إذَا اعْتَلَّ بِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، فَعَارَضَهُ السَّائِلُ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، كَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: عِلَّتِي أَوْلَى،؛ لِأَنَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَعِلَّتُك مُسْتَنْبَطَةٌ، وَلَا حَظَّ لِلِاسْتِنْبَاطِ مَعَ النَّصِّ، وَذَلِكَ نَحْوُ مُعَارَضَةِ الْمُخَالِفِ لَنَا عَلَى عِلَّةِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِظُهُورِ النَّجَاسَةِ. فَإِنَّ قَلِيلَ الْقَيْءِ لَا يَنْقُضُهَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ، وَيَحْتَجُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِلَالِهِ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ السَّبِيلِ أَوْجَبَتْ نَقْضَ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ الْبَوْلُ، وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ لَمْ تُوجِبْهُ، وَهُوَ يَسِيرُ الْقَيْءِ. فَيُقَالُ: إنَّ اعْتِلَالَنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ: «إنَّهَا دَمُ عِرْقٍ» ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْت فَتَسْقُطُ مُعَارَضَتُهُ. وَنَحْوُهُ إذَا اعْتَلَّ فِي مَنْعِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، بِأَنَّ الزَّوْجَ كُفْءٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَصَارَ كَسَائِرِ عُقُودِ النِّكَاحِ، إذَا وَجَبَ فِيهَا الْكَفَاءَةُ، وَلَا يَجِبُ الْخِيَارُ. فَنَقُولُ: إنَّ اعْتِلَالَ مَنْ اعْتَلَّ لِإِيجَابِ الْخِيَارِ بِأَنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا بِالْعِتْقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَرِيرَةَ: مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» ، فَكَانَتْ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلِاسْتِنْبَاطِ مَعَ النَّصِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015