إذْ كَانَ سَبِيلُ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، أَنْ يَشْتَرِكَ أَهْلُهُمَا فِي مَعْرِفَتِهَا،؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ: هُوَ السِّمَةُ وَالْعَلَامَةُ الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا الْمُسَمَّيَاتُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ السَّامِعِينَ لَهَا، مِنْ اللُّغَةِ، أَوْ الشَّرْعِ، فَلَمَّا لَمْ يَحْصُلْ مَا ذَكَرْته سِمَةً لِمَا سَمَّيْته بِهِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا الشَّرْعِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عِنْدَهُمْ الْمُسَمَّى بِهِ مِمَّا سِوَاهُ. لَمْ يَثْبُتْ اسْمًا.
وَعَلَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ مُنْتَقِضٌ عَلَى قَائِلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا كَانَ الْبُرُّ مُحَرَّمًا فِيهِ التَّفَاضُلُ حِينَ كَانَ مَأْكُولًا، فَيُسَمَّى كُلُّ مَأْكُولٍ بُرًّا، فَيَكُونُ الْأَرُزُّ مُحَرَّمًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَأْكُولَاتِ، وَمَنْ بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ صَارَ فِي حَيِّزِ الْمَجَانِينِ وَخَرَجَ مِنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَ (مَا) لَيْسَ بِحُكْمٍ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، وَلَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ حُكْمًا قَدْ تَعَبَّدْنَا بِهِ إذْ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ تَعَبُّدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْمِيَةِ (فَحَسْبُ) ، دُونَ حُكْمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى بِهِ، فَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ لِأَجْلِ الْمَعْنَى لَا لِنَفْسِهَا، كَنَحْوِ الْمُؤْمِنِ، وَالْكَافِرِ، وَالْمُنَافِقِ، وَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمُفِيدَةِ لِلْمَدْحِ، أَوْ الذَّمِّ. لَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ قِيَاسًا، لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ فِي الْأَسْمَاءِ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قِيَاسَ الْأَسْمَاءِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ، أَوْ لِغَيْرِهِ.
فَإِنْ كَانَ لِلْأَحْكَامِ، فَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا الدَّلَائِلَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَعَلَّقَهَا بِأَسْمَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، بِتَوْقِيفٍ مِنْهُ، أَوْ دَلَالَةٍ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى إثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ قِيَاسًا، لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ.
وَإِنْ كَانَ قِيَاسُ الْأَسْمَاءِ لِغَيْرِ الْأَحْكَامِ فَهَذَا مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّك إنَّمَا تُثْبِتُهُ اسْمًا لِلْقَائِسِ دُونَ غَيْرِهِ، فَهُوَ كَمَنْ ابْتَدَأَ وَضْعَ اسْمٍ بِنَفْسِهِ فَسَمَّى بِهِ شَيْئًا، نَحْوُ أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ