أما إِذا كَانَت الْجُمْلَة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب فَلَا بُد فِي الْعَطف من أَن تكون الجملتان كالنظيرين والشريكين بِحَيْثُ إِذا عرف السَّامع حَال الأولى عناه أَن يعرف الثَّانِي أَو مَا يقرب من ذَلِك كَقَوْلِك زيد كَاتب وَعَمْرو شَاعِر فَإِن هَذَا خطاب لمن هُوَ متشوق لمعْرِفَة حَالهمَا فِي هَذَا الْأَمر الْمَخْصُوص وَكَذَلِكَ زيد طَوِيل وَعَمْرو قصير فَلَو قلت زيد طَوِيل الْقَامَة وَعَمْرو شَاعِر لم يكن ذَلِك حسنا إِلَّا إِذا تقدم سُؤال من مُتَكَلم عَن حَال كل مِنْهُمَا فِي ذَلِك الشَّيْء الْمَخْصُوص وَلَو قلت خرجت الْيَوْم من دَاري وَأحسن الَّذِي يَقُول كَذَا كَانَ كلَاما متهجنا لِأَن الثَّانِي لَيْسَ من الأول فِي شَيْء بِخِلَاف قَوْلك الْعلم حسن وَالْجهل قَبِيح لِأَن كَون الْعلم حسنا مضموم فِي الْعُقُول إِلَى كَون الْجَهْل قبيحا
ثمَّ هَذِه الْجمل على قسمَيْنِ الأول أَن يكون معنى إِحْدَى الجملتين لذاته مُتَعَلقا بِمَعْنى الْأُخْرَى كَمَا إِذا كَانَت كالتوكيد لَهَا أَو الصّفة فَلَا يجوز إِدْخَال العاطف بَينهمَا لِأَن التَّأْكِيد وَالصّفة متعلقان بالمؤكد والموصوف لذاتهما والتعلق الذاتي يُغني عَن لفظ يدل على التَّعَلُّق فَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى {الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ} فَإِن وزان {لَا ريب فِيهِ} فِي الْآيَة وزان نَفسه فِي قَوْلك جَاءَنِي الْخَلِيفَة نَفسه فَهُوَ بَيَان وَتَحْقِيق مُؤَكد لِأَنَّك لم ترد بِقَوْلِك جَاءَنِي الْخَلِيفَة الْمجَاز فَكَذَلِك الْآيَة فَإِنَّهُ لما بولغ فِي وَصفه